Wednesday, December 28, 2011

إلى عم صلاح جاهين في عيد ميلاده


دخل الربيع.. فتشت عنك يا عم صلاح.. الربيع الذي بشرت به وحذرت منه وضحكت له وبكيت عليه، سألته عنك.. فلم يجبني، شعرت بالفراغ الذي تركه غيابك في المشهد المزدحم بأبطاله، لامس الربيع حيرتي  فترك لي بدل وروده إليك كتاب رباعياتك فكان رفيقي المخلص في درب الوطن الطويل.. ورحل! تركني أبحث عنك في وجوه البشر الذين تذكروا هذا العام أن لهم وطنا يعيشون فيه ولهم حق يبحثون عنه مسترشدين بحكمتك الخالدة التي تقول:
شاف الطبيب جرحي وصف  له  الأمل
وعطاني منه مقام يا دوب  ما  اندمل
مجروح جديد يا طبيب  و جرحي لهيب
ودواك   فرغ مني ....   و إيه  العمل
والعمل كان إعادة صناعة الأمل، ولم يكن ذلك ممكنا سوى بالدم، الذي سال في الشوارع معلنا نهاية أيام الاستعباد التي بشرت بها:  إقلع     غماك   يا تور   وارفض   تلف.. إكسر   تروس   الساقية  و  اشتم وتف
كسرنا تروس الساقية وكسرنا معها الخوف الذي كبلتنا به السنوات الطويلة، وكسرنا القاعدة التي تم تلقينها لجيلنا وما سبقنا من أجيال عن أن "من خاف سلم" وأن "الحيطة" دائما هي ملاذنا الآمن مادمنا ملتزمين بها.. كسرنا الطوق وشبينا وأعتقد أنك سمعت هتافنا فأجبتنا:
سمعت نقطة ميه جوه المحيـــــــط
بتقول لنقطه ما تنزليش في الغويط
أخاف عليكي م الغرق .. قلـــــت أنا
ده اللي يخاف م الوعد يبقي عبيط
لنلاقي وعدنا المكتوب في الميدان الذي غنيت له منذ عقود، فكانت الثورة التي أعادت لمصر الروح فصرخنا من النشوة رغم قسوة الأيام:
صورة صورة صورة كلنا كده عايزين صورة
صورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة
صورنا يا زمن يازمن صورنا
هنقرب من بعض كمان هنقرب من بعض كمان
واللي هيبعد من الميدان اللي هيبعد م الميدان
عمره ما هيبان في الصورة
اتحدت صفوفنا واجهنا أمواج الموت المتتالية، وأمواج القهر السلطوي والشعبي لفكرة صدقناك حينما نطقت بها في عرض أشعارك:
خوض معركتها زي جدك ما خاض
صالب وقالب شفتك بامتعاض
هي كده ما تنولش منها الأمل
غير بعد شد وجذب أوجاع مخاض
وكان مخاضا صعبا برغم البشاير التي حملتها لنا أيامه الأولى، ربما لازلنا نعاني أثره حتى اليوم، لكننا لم نهزم ولم ننكسر، تحملنا خسارات الأرواح في سبيل الحياة لوطن عشت عمرك تتغنى باسمه
على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء
أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء
باحبها وهي مالكه الأرض شرق وغرب
وباحبها وهي مرميه جريحة حرب
باحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء
واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء
واسيبها واطفش في درب وتبقى هي ف درب
وتلتفت تلقيني جنبها في الكرب
والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب
على اسم مصر
مصر التي اكتشفت شبابها الذين خرجوا من أجلها، من غفلت عنهم بسبب جور حكامها، فأعادت صياغة حاضرها لصناعة مستقبل جدير بهؤلاء الأبطال، شبابها الذين هم أبنائك أنت من حفظوا رباعياتك ورددوها مع على الحجار ومحمد منير وتربوا على صوت عبد الحليم يغني للوطن وسعاد حسني تغني للربيع رفيقك ورفيق ثورتنا الذي حمل لك ورودا وتركها بجانب قبرك لينطلق عبيرها ويوقظ روح مصر في ثورة شبابها
كم افتقدتك يا عم صلاح في ليل الميدان البارد، كم تمنيت لو تطل بجسدك الضخم تمر بنا ونحن على الأرض نناور الموت وننتظر الحياة تأتي في هيئة بيان!
لكن طيفك لم يزرنا، زارنا أصحاب الزي "الكاكي" وأطالوا الزيارة، ولم ونسلم منهم أيضا، يظل العسكر هم العسكر في بغداد أو الجزاير أو التحرير
انا كل   يوم   أسمع ........ فلان  عذبوه
أسرح     في    بغداد و الجزاير   واتوه
ما أعجبش م اللي يطيق بجسمه العذاب
و اعجب   من اللي   يطيق   يعذب أخوه
يظل الدم في الشوارع يغرقنا في سؤالك الذي ظل معلقا في أجواء الثورة التي تخطو خطواتها الأولى إلى أن تغدو دولة بالمعنى المفهوم
علي رجلي دم .. نظرت له ما احتملت
علي إيدي دم.. سألت ليه ؟ لم وصلت
علي كتفي دم.. و حتي علي رأسي دم
أنا  كلي دم .. قتلت ؟ ..... والا اتقتلت
عجبي !!
دائما ما كنت تستخدم الأسئلة، ظلت أسئلتك بابك المفتوح للوصول إلى إجابات أصدق أنك كنت تعرفها لكنها ظلت هناك في قلبك الممتليء بحب الوطن ذلك الوطن الذي مرضنا به في عامنا هذا، لنقف في يوم ذكراك هذا نرثي إبداعك الذي كان رهنا له ونرثي وطننا الذي أصبحنا رهنا له! لا نملك سوى أن نردد
كام اشتغلت يا نيل في نحت الصخور
مليون بئونه و الف مليون هاــــتور
يا نيل أنا ابن حلال و من خلفتــــــك
و ليه صعيبه علي بس الأمــــــــور
وعجبي !!!

Saturday, December 24, 2011

الأمن والدماء

اتساءل وأنا أحاول ألا أبدو متجنية على الدين الذي يتحدث عنه رجال عرفناهم أهل دين، هل يوافق الدين على قتل الناس وسحلهم في الشوارع هل يوافق الدين على تعرية النساء وهتك اعراضهن؟ تأتيني الإجابة من الشيخ صبري مسعود الذي أثق في رأيه وأعرف أنه لن يجانب الحق إرضاء لميل أو هوى
اشتكيت له قلة حيلتي قائلة:
أنا بحاول اتكلم معاك يمكن تقولي كلمة تشفي غليلي خصوصا ان معظم من يتكلمون باسم الدين دلوقتي بيتكلموا بطريقة مافيهاش انسانية، واللي اقدر اقول على قلة علمي إنه مش من الدين اللي أنا اعرفه
فرد علي بحسم:
يا هدى ماينفعش نسيب اي حد يتكلم ونقول ان ده الدين
اللي حصل لايمت للدين بصلة
دي جريمة على مستوى الدين والوطن والإنسانية
فكرت أن معنى الإنسانية سقط بدافع خوف تم إطلاق كلابه علينا في ليلة الثامن والعشرين من يناير، خوف جعل قبول الإستبداد والقتل والسحل أمرا هينا في سبيل وعود بالأمن في المستقبل.
لا أجد أن ذلك غير منطقي، الإنسان في الغالب كما يقول نعوم تشومسكي يميل إلى تصديق أن الغد سيكون أفضل، لكن في دولة كمصر عانت من نظام بوليسي قهر المواطن العادي على مدى عشر سنوات يقوى على مقاومة هؤلاء البلطجية ذاتهم (الرسميين وغير الرسميين) من قبل، المواطن العادي الذي يخشى اليوم من جموع تتحرك حاملة صوتها سلاح، أكثر مما يخشى من مدرعات تدهس البشر وسلاح يسحل ويعري البنات، ماهو المنطق الذي بناه هؤلاء في عقولهم فجعلهم يصدقون وعود الأمان للدرجة التي تنكر الواقع؟
متى تم استلال الإنسانية من مفاهيم هؤلاء فبات الحديث عن الكرامة والحرية والعدالة، من ضروب الخيال لا تصلح كإجابات لإسئلة يصدرونها في مواجهة صور الدم: "إيه اللي وداهم هناك؟"، مفاهيم حتى من يلبسون أنفسهم رداءها بدأوا يطالبون بإسقاطها تحت المسمى الأكثر سطوة هذه الأيام وهو الإستقرار والأمن.. وكأن لسان حالهم يقول: ملعونة الحرية اللي جاية في ديل الخوف.
الغريب أنهم يتكأون على الدين في ما يروجون له من منطق ولا أدري كيف صار الدين –فجأة- مناهضا للإنسانية، كيف أصبح دم المرء مستباحا وتساق الآيات التي تدلل على استباحته، كيف أصبح عرض المرأة منتهكا، دون أن نلتفت إلى الآيات التي تحرم الخوض في أعراض النساء؟
أصبحت الإهانة إهانتين الآن إهانة الإنسان وإهانة الدين والإفتراء عليه.. سيظهر لي من يقول أني لا أعرف من الدين ما يعرفون وأن ما يقولونه مكتوب في الكتب التي قضوا أعمارهم يقرأونها ويتفحصون سطورها.. أقول لهؤلاء في حالة دفاعية استباقية عن نفسي.. أعرف ربي الذي كرم الإنسان ورفع قدره والذي صان المرأة وأجلها وحرم المساس بها ولو بكلمة.. أعرف إيماني العميق الذي يقضي بأن الله لا يرضيه منظر الدماء في الشارع ولا يرضى عمن يرضيهم ذلك.

Saturday, December 17, 2011

أفكار في نهار الـ 17 من ديسمبر

لم تعد المسألة ثوري أو غير ثوري، لم تعد مسألة مع او ضد ولم أراها في يوم من الأيام انها حرب بين فريقين مصدقين ومكذبين، لكنها تحولت إلى اختبار حقيقي للإنسانية وللإيمان بالله وبصدق رسالاته السماوية . كنت استغرب كيف لم تقم سوريا على قلب رجل واحد يتوجهون برجالاهم ونسائهم وأطفالهم إلى حيث يجلس ذلك السفاح ويقيموا عليه الحكم، اليوم ماعدت استغرب!
فالمشهد قريب الشبه جدا بمشاهد سوريا، وتجد تعليقات من قبيل "وايه الي وداهم هناك"، و"كان ايه لازمته الاعتصام"، و"دول مش ثوار ولا شكلهم شكل ثوار"، فأدركت أن العقل لديه حيله لكي يجعل الإنسان يمنطق المشهد الذي يراه بطريقة تجعل ضميره مرتاحا، غير متحملا لمسئولية الدم السائل.

عقب احداث ماسبيرو دخلت في مناقشة طويلة مع ابن عمي الذي كان يرى وقتها ان من ذهب إلى ماسبيرو يستحق ما لاقاه، انهرت و أعربت عن خوفي قلت له بصوت مختنق بالدموع "أخشى إذا ما مت في الشارع أن تتركوا حقي مكتفين بالتساؤل الرافع للمسئولية وهي ايه اللي كان وداها هناك بس!" ذهل من الفكرة ولكنه عالجها سريعا وانتي ايه اللي هيوديكي هناك فعلا طمأن نفسه بأن الفكرة مستبعدة، وأنا صمت والفكرة تدور في عقلي، عن الدماء التي تهون!

وكأن العشرة شهور الماضية كانت كل مهمتها تثبيت نظرية الطرف التالت في الأذهان لتصبح مخرجا للجميع بداية من الجالسين في بيوتهم امام شاشات التوك شو التي تبدو أنها مع الثورة لكنها ذراع الثورة المضادة الطويل، نهاية بالإخوان الذين اكتفوا بتوصيف كل ما دون الانتخابات بأنه فتنة.

أشعر بالقهر، ليس لأجل الثورة ولكن من أجل الإنسان الذي هان وهانت دماؤه، الإنسان الذي صورته وسيرته تؤكد أنه إن لم يكن أفضل من أفضل واحد فينا فهو بالتأكيد ليس أدني من أقل واحد فينا.. عندما يموت شيخ الأزهر والطبيب والمهندس ونتصيد صور التلفزيون المصري لنقول بكل راحة ضمير "دول هما الثوار بقى" نكون قد فقدنا إنسانيتنا من أجل حياة أقل تكلفة وأكثر ربحا!


Monday, December 12, 2011


من يومها شو عاد صار.. ما صار شي كتير

غريبة هذه السنة التي تكاد تفارقنا، ولا أرغب في فراقها.. على عكس كل من يتحدث عن كارثية العام أراه عاما يستحق أن يُعاش، ممتنة للحياة أني كنت موجودة لأشهد هذا العام بكل تحولاته، ثم أنه على المستوى الشخصي لم يحدث خلاله شيء يذكر،، مجرد أيام، ربما أكتشفت بدون سابق إنذار أني أحب "الوطن" أكثر مما كنت أتخيل، وأهتم لأمره إلى حد يجعلني أهلوس ليلا بما يحياه هو نهارا!

Tuesday, November 15, 2011

غضب

أنا غاضبة.. غاضبة وفاقدة القدرة على التعامل مع البشر.
أدرك انهما مرتبطان بشكل فعلي، لكني لا أدري أيهما مكن للآخر، هل تفجر الغضب بداخلي ففقدت قدرتي على التعامل مع الناس على إثره، أم أن فقداني لمهاراتي الإتصالية فتح الباب على مصرعيه لغضب يجتاحني فلا أرى من خلاله سوى الغضب.
أسئلتي حقيقية هذه المرة، وليست مناورة كي لا أصدم بجدار الحقيقة الإسمنتي.. الوقائع منفصلة يمكن تفسيرها، بواب العمارة الذي يفصل الأسانسير عندما يراني، يعاقبني لأني أخبرته أني اشتكيه مساء إلى الله، وبائع الفاكهة الذي يخاطبني بلهجة قاسية، يتبع القانون الوضعي الذي يقضي بحرمة لمس الشاري للفاكهة المعروضة، وسائق الميكروباص إله يمارس سطوته على الركاب والطريق وشرطة المرور. 
لكنها بجانب بعضها البعض، لا تفسر إلا الغضب، غاضبة أنا منهم جميعا، وأشعر بوطأة الإهانة، أملك نفسية هشة كما ورق السوليفان الذي يصدر صوتا بمجرد لمسه،ولا يبقى على حاله، وأنا أغضب وأصرخ وأتألم، فأغضب أكثر، هذه المرة لأني أتألم، ولأني لا أملك حيلة في التخلص من الألم أو الغضب!

Tuesday, August 16, 2011

في الفخ

التخفي لن يمنع عني الأذى، والخوف لن أهزمه سوى بالوصول معه إلى منتهاه، أن أصل به لدرجة سخونة تذيب القضبان الحديدية التي تحاصر تفكيري، وتمنعني من أن أتحرك ولو حتى إلى الوراء!

هذا ما تقوله مستشارتي النفسية، تحثني على تجاوز حالة التجمد التي أصابتني بجمل من قبيل: "أحبي نفسك"، "افعلي ما تريدينه أنت وليس ما يريده غيرك"، "خافي لأقصى درجة حتى تنسي أنك خائفة". ابتسم دائما عندما أقرأ جملها، ويخطر ببالي أني لست مؤمنة بالقدر الكافي بالألعاب النفسية، أو أسس التنمية البشرية التي تدور حول أفكار إيجابية عن نفسك، أنا بطبعي لا أميل إلى تصديق الكلام، أفضل الأفعال دائما، وهنا أنا محبوسة بداخل قفص حديدي لا أقوى على الفعل، وأذكر نفسي أن الكلمات لن تكون هي الحل!

ما يثير غيظي - وغيظي سهل الاستثارة- أن الخوف لم يكن يوما حليفي، كانت عداوتنا صريحة وظاهرة للعيان، خلال سنوات عمري الماضية، كنت أبقيه محصارا في مساحة ضيقة، مقيمة حوله أسلاك شائكة كي يعرف حدوده ولا يتجاوزها، وفي اللحظة التي توقفت فيها لتقييم الحياة من حولي واعادة النظر فيما كان ما يكون وما سيكون، انتبهت لأجدنا تبادلنا الأدوار صار هو طليقا يمرح في حياتي كيف يشاء ويحكم السيطرة علي.




Monday, July 4, 2011

كلام آخر الليل

أدفن رأسي بالمخدة، هي الوحيدة التي أسكب فوقها كلماتي دون أن أفكر مرتين فيما أقول وفي جدواه.

أنا في قوقعتي، لا أفعل شيء سوى مراقبة الوقت المستمر في التقدم دون أن يلقي لنظرتي المراقبة بال، أنا لا أعنيه في شيء، هو واثق الخطوة يمشي ملكا، وأنا مجرد ذرة غبار تعافر كي تبقى معلقة في الهواء.

ما الرابط المنطقي بين المخدة والوقت، لا أرى رابط بينهما سوى في عقلي، حيث تحول الوقت بكل تجلياته إلى سوسة تنخر في عقلي، تأكل أفكاري، وتزرع بدلا منها هواجس تبقيني داخل إطارها، لا أرى في الخارج سوى أصوات لا أفهم منها شيئا، أفاضل بين الصخب في الخارج والدوامة في داخلي، فاستسلم للدوران دون كثير من التفكير، لا في الحقيقة استسلم لتفكير دائري، يخرج بي من فكرة إلى فكرة لأجدني في النهاية أمام الوقت الذي أتذكر فجأة أني إن لم أقطعه، سيقطعني!


Wednesday, June 29, 2011



لم أعد متأكدة، أصبح الجزم بالحقيقة أمر مربك لحساباتي العقلية.. كل الأشياء تحمل بداخلها فتيل قادر على تفجيرها في وجهي بمجرد محاولتي القطع فيها. 
وكأن الخيار الوحيد المتاح، هو الإحتمال 

تحولت كلمة "تقريبا" إجابتي الحاضرة الوحيدة حتى على الأسئلة التي تبدو ظاهريا غير قابله للإحتمالات.


* الصورة للفنان دان بيك 

Monday, June 27, 2011

ألعاب

 تبدو جملة عبد الباسط حمودة التقريرية التي يستهلها بالتأكيد على ذاته "أنا أنا أنا أنا أنا" حقيقية جدا هذه اللحظة، فأنا أقاسمه -وأعلم أني لست وحدي في ذك- صدمته الطفولية في صورته التي لم يتعرف إليها في المرآة

في الصباح ابتسم عندما ألمح إنعكاس صورتي، للخاطر الذي لا ينسى يوما المرور بعقلي في نفس اللحظة، 

من هذه؟

يتراوح السؤال بين الاستنكار والدهشة والاستحقار وأحيانا قليلة برغبة في التعرف!

لا أفضل الوقوف أمام المرآة في الغالب، أستهلك وقتا كبيرا في النظر إلى تفاصيل الصورة وأنا أستعد للنزول، لكنها نظرة لتفحص الناوقص في الشكل الذي أصر دوما على أن يعكس مزاجي، أحرص على أن أبدو كا أريد أن يراني الناس، أن أحافظ على خصوصيتي بتصدير ما أراه وقتها مناسب، الحقيقة في كل مرة اعيد اكتشاف ان حيلتي لا تفلح لكنها أصبحت عادة، لا يمكن التخلص منها.

الآن أشعر أن كل ما هو بالداخل وبالخارج ما أراه وما يراه الناس ما أشعر به وما يشعر به الآخرين مني وعني، جميعه بكل تفاصيله وتناقضاته بقربه وبعده بسيئه وحسنه جميعه جميعه، ليس أنا بأي صورة.

أشعر أني لست أنا، تبدو الجملة بعد كتابتها شاعرية أو ربما مجازية، لكني أشعر بها حقيقة أمامي، أشعر وكأني أتجول في شوارع وسط البلد، حيث الفتارين هي مشاهد من حياتي منذ وعيي بذاتي وحتى اليوم، كلما لمحت فاترينة بألوان تفتح باب الذاكرة على مصرعيه، أجري لأقف وأخبر نفسي أني هذه الفتاة، لكن الوقت مروره الواثق وإصراره المستمر على مضايقتي، يفتح الباب لذلك الإحساس الذي يقلب الألفة إلى وحشة فتبدو الفتاة غريبة عني تمام!

تجذبني المرآة الواثقة هناك من وقفتها، أؤكد لنفسي أني هنا بالتأكيد، لكن الكثير الكثير من الحقائق التي تنشق عنها الأرض تخبرني أني أبعد ما يكون عنها.

أحيانا أشعر أن الأمر تحول للعبة مسلية، ربما تكون قاعدتها الحذف، كل ما ليس مني فهو محذوف ومنفي بالضرروة، كلما زادت القائمة تنتابني رجفة من فكرة ألا أكون أصلا!

أذكر نفسي بضرورة ألا أحولها إلى لعبة "استغماية"، تلك اللعبة التي اتقنها حتى تحولت إلى طبيعة، أتقن الإتفاء قبل العدة الثالثة، لدرجة أني أنسى أني مختباة، أتذكر ذلك لحظة اكتشاف مخبأي، لأندمج قليلا في الحياة ثم أسرع للاختباء مع أول محاولة للعد.

Tuesday, June 7, 2011

سكر بنات

كلما شاهدت فيلم سكر بنات، كلما راودتني نفس الامنية، لو أنها تركت موسيقى خالد مزنر تحملنا مع صورتها المميزة دون الحوار  والتمثيل المتواضع من الممثلين وعلى رأسهم مخرجة الفيلم التي قامت بدور البطولة فيه.

نادين لبكي مخرجة مميزة، تعرف كيف تعكس الواقع بإشراقة تنتمي لعالم الأحلام، فيبدو جالبا للسعادة رغم قسوة الرسائل التي ينقلها إلينا، تملك حسا مرهفا للتفاصيل التي تحرص على إبرازها في كاردها المنسق بعناية شدية فيظهر جميلا ومحملا بالمعاني. لهذا أعتقد أنها أحدثت فرقا ملموسا في مجال الأغاني المصورة "الفديو كليب" مع مجموعة الأغنيات التي أخرجتها لنانسي عجرم، حيث تقارب فيها بين فيلم روائي قصير على خلفية غنائية، أغنت حينها خفة حضور نانسي عن ثقل أدائها التمثيلي، عوضا عن أن المرجو من الكليب صورة تناسب الغناء وليس التمثيل.

لكن المشكلة بدت واضحة في فيلم طويل، استثمرت فيه الصورة المختلفة وشخصياتها المنتقاة بعناية من إحدى شوارع بيروت والذي يمكن أن يكون شارعا في اي مدينة عربية أخرى، مشكلة تقديم عمق آخر للصورة بحوار وتمثيل قادر على أن يحكم حبكة الفيلم.

كل مرة أتجنب مشاهدة المشهد الرئيسي في الفيلم، عندما يتخلف عن موعده معها في الفندق سيء السمعة الذي انتظرته فيه احتفالا بعيد ميلاده، المشهد يعد الركيزة الأساسية للفيلم إذ تواجه الشخصيات الأربع في الفيلم خوفها/مشكلتها وتكشفها في محاولة لإنهاءها، فالآداء التمثيلي يقف حاجزا دون تعاطف يقتضيه الحال، يقف دون أن أترك نفسي لأجاورها على السرير سامحة للدموع أن تنسكب وآخذ دوري في الكشف/التطهر. 

ربما لهذا، عندما ألمح الفيلم على قناة تلفزيونية أمر به مرورا يسمح لي بتذكر ما أحب فيه، وأن أترك لخيالي المساحة كي أرمم الفيلم بما يجعله محتفظا في داخلي بانبهاري الأول به.


Wednesday, June 1, 2011

كشف

أراني ممدة فوق سرير في غرفة لا يكسر ظلمتها سوى مصباح مدلى من سقفها بإضاءة باهتة، تقترب شياطين لا يخفي قبحها معاطفهم البيضاء، أغمض عيني بشدة حتى لا أستمر في لعبة تمثل مشهد الكشف عن عذرية الفتيات المقبوض عليهن من قبل الشرطة العسكرية، لكن الصورة تظل تراودني كلما لمحت الكلمة تمر أمام عيني.

لا أدري كيف جاءتهم الفكرة ولماذا نفذوها، ماعلاقة العذرية بالحرية؟ وماعلاقة الوطن بغشاء البكارة؟؟

ربما تكون طريقة مغلفة للانتهاك الجسدي للفتيات لتخويفهن من الاستمرار في الاشتراك في اللعبة، لافتة بخط أحمر عريض كالتي توضع عند صناديق الكهرباء "اللعب هنا خطر"!
لكنها تكشف عن حماقة وغباء لا يمكن التجاوز عنهما، كما أنها تكسر الحائط الأخير للأمان الذي بدا يوم 11 فبراير أنه الملاذ الأخير. ليس فقط على المستوى السياسي ولكن على مستوى التعامل اليومي، فقد تجسد لنا رجل القوات المسلحة منقذا مقارنة برجل الشرطة الذي يعاني عقدا نفسية متوارثة تمنعه من التعامل بشكل آدمي، لنكتشف أن أمرا ما يخص الزي العسكري يجعل التعامل الإنساني أمرا غير وارد.

لست هنا بصدد تعميم، لكن الفكرة أحدثت شرخا عميقا في الصورة التي بدت مضيئة منذ شهور، شرخ يعود إلى منظومة التعامل بين العسكري المسلح والمواطن الذي لا يملك سوى صرخة، لا تغني عن كشف ولا محاكمة عسكرية.


Monday, May 30, 2011

اتجاهات

كثيرا ما أتذكر مشهد فورست جامب عندما يتوقف فجأة عن الركض، يلتفت إلى الجموع التي اتخدته قائدا لها، ينظر إليهم باستغراب، ثم يقفل راجعا بخطوة هادئة، موقنة أن هذه اللحظة تستوقفنا جميعا، تمسك بتلابيب لهاثنا في الحياة، تجعلنا ندرك فجأة أن الركض في ذلك الإتجاه لم يعد مجد، وكل ما علينا ليس محاولة تصحيحه أو حتى التفكير في مكاسب أو خسائر، كل ما عليك هو أن تفعل كما فعل فورست، تقفل راجعا دون كثير من التفكير. أعتقد أن طريق العوةدة فيه متسع كبير لإعادة تقييم الماضي.


Sunday, May 29, 2011

خروجٌ أول


لن يبقى في ذاكرته سوى صوت الساعة التي كانت تتحرك على مهلٍ لتقف لمدة ثانية عند الرابعة، يتحرك البندول النحاسي الطويل مُصدرًا صوتًا عميقًا مكررًا أربع مرات ليعاود صوت الثواني مقاطعة سكون المكان برتابة.

مررت عبر البوابة الزرقاء الحديدية إلى الشارع الخالي إلا من ريحٍ تمشط البيوت بحثًا عن حلم نسيه أحدهم قبل رحيله لم يكن سوى خطوة أخرى في الحياة.

سيتعلم رفقة الحقيبة السوداء الممتلئة بأشباحٍ عاش في كنفها، يقطع الأميال خوفًا من أن تملكه أرض فيتملكها.

سيغير اسمه ومحل ميلاده وسيمحو خانة الديانة من بطاقة هويته..

يسلم كل ليلة رسالة لصندوق البريد عليها عنوان قديم لا يذكر منه سوى ساعة تدق كل مساء في الرابعة.

Monday, May 23, 2011

تبرير

هو لا يعلم المسافة التي قطعتها والمشقة التي احتملتها كي أصل إلى هنا
هو لا يعلم كيف قصصت أظافر الوقت التي نشبت في جلدي، مخلفة آثارا غير قابلة للمحو
هو لا يعلم أني لم أكفر إلا بعد أن خذلتني قدرتي على تحمل اختبارات الإيمان
هو لا يعلم، هو فقط، يكرر بإخلاص ما تم تلقينه إياه في الكتب، التي تنجح دوما في فصل الخير عن الشر بخطوط واضحة، ولا تعترف باللون الرمادي

Wednesday, May 11, 2011

10 things i hate about myself

1- بتغاظ من حاجات مش بتغيظ أصلا
2- مش برجع اتصل بالمسيدات اللي بتبقى على تلفوني
3- بنسى اخرج الزبالة في مواعيد الزبال
4- بأجل تغيير مية حوض السمك لحد ما السمك يقرب ينطق
5- بزهق في أوقات ما ينفعش أزهق فيها
6- بحط خطط وعمري ما نفذتها حتى لو كانت بتاعت اليوم اللي انا فيه
7- بعمل كل حاجة في اللحظة الأخيرة تقريبا
8- بقول الكلام زي ما هو في دماغي، ما بتعبش نفسي في صياغته
9- بنسى تفاصيل المناقشات، خصوصا لو بعيد الحكاية اللي حصلت تاني
10- الانطباع الأول الي بسيبه عند الناس إني رخمة ومسطحة وماليش في أي حاجة في الدنيا

Sunday, April 17, 2011

عصيان


بعد ذرف الكثير من الدموع، وسكب المزيد من الحبر على الورق الأصفر، لم يعد هناك من طريقة لإعلان عصيانها على الحياة، سوى السكين الصغير، ذات المقبض الأسود، لتشق طريق الدماء إلى كفها.

بقليل من الألم وبمزيد من اللون الأحمر، تراقب تسرب الروح من جسدها الملقى دون مقاومة على الأرضية البيضاء الباردة، لا شيء يشغلها سوى مرور الوقت ببطيء وكأنه يقاوم ذهابها.

بطريقة تبدو درامية، تظهر العديد من الأيادي تغيم الصورة أمامها، لتخرج من نفق أبيض إلى نفق مظلم، تلوح فيه أصواتهم، فتفتح عينيها لتجد الأرضيون بعيون آثمة.

بشيء من خوف، تكرر المشهد.. ولكن بالقليل من الدماء، مستمتعة بالشقوق التي باتت تقاسمها الوجع.

بجسد مهتريء، تستلم لنصل غادر يسلمها للسماء في غمضة عين، وللمرة الأولى دون أن تشعر بشيء!

Saturday, April 16, 2011

محاولة


انتهاءً.. لم أكن أنوي الاستمرار في بيع أجزاء جسدي بمقابل بخس، وقفت على باب المحل ذي الباب الزجاجي الضخم، ودفعته بقوة يدي اليسرى، لتواجهني البائعة ذات البدلة الرمادية.

نظرتها المغلفة باللامبالاة، حفزت لدي الفكرة مرة أخرى، قدمت لي عرض الأسعار لهذا اليوم، كانت جميعها تحمل رقما واحدا مكونا من خانتين.

وقتها تأكدت أني أبعد ما يكون عن رفاهية الاختيار!

كان قراري في الأساس.. مجرد اختيار.. أن أبيع ماهو زائد عن حاجتي من أجزاء جسمي.. لكن الآن أصبح ضرورة يقتضيها الاستمرار في الحياة.

خرجت عازمة على إيجاد سوق بديلة، ربما أبدأ تعاملي مع تجار النواصي القادرين على منحي مقابل مرضي!!

على رأس الشارع المتفرع إلى اثنين وقفت في انتظار ظهور أحدهم، علقت شارة صفراء تعني رغبتي في البيع، وارتكنت إلى الحائط المليء بالملصقات الملونة.

اقترب مني محاولا الاستفسار عما أرغب في بيعه، فأجبته: "المهم لأعلى سعر".

تحرك مبتعدا دون إجابة، تاركا الوقت يخفض من السعر بمروره الثقيل... ليواجهني بعد انتصاف الليل بقليل. دون أن ينطق، بدأت في اقتطاع أجزاء مختلفة مني، في انتظار الوريقات الملونة التي يخرجها بحذر من جيب بنطاله الخلفي.

Saturday, March 5, 2011

طريق السلامة

ظبطت نفسي متلبسة بالتشفي في وجه ظابط الأمن المقبوض عليه -لأول مرة في التاريخ من قبل مواطنين- والملطخ بالدماء، لا لأني لم أخبر التشفي من قبل ولكن لقبولي المرحب بمشاهد الدماء مادامت على أجساد الزبانية.

مشاهد الدماء تصيبني بحالة غثيان، كما أني أقاوم النظر لمشاهد العنف المبالغ فيه بسبب قدرتي العالية على تقمص دور الضحية، لكن ذلك لم يعد له أثر في مشاهد (الحرب) ضد الشرطة وأمن الدولة تحديدا. إذ أجد نفسي متحمسة لرؤية الفيديوهات وأقسم للجميع أني لو كنت في أحد هذه المواقف لن أتوانى عن المشاركة في الضرب (مع العلم أني لم أضرب أحدا من قبل).

أدرك بوعي تحاول عاطفتي تنحيته جانبا، أني أمر بحالة نفسية غير مستقرة، يقول لي ذلك الوعي متلبسا حكمة الشيوخ: "العدالة هي المطلب وليس الانتقام" فأشيح له بيدي أو أرفع صوتي لأسمع من هم حولي أيضا "اللي عملوه مش قليل ومش حرام اللي بيحصل فيهم". أصدق ذلك تماما بقدر تصديقي بأن الأمور لن تستوي لو أسسنا لهذه المرحلة على مباديء البلطجة ولم نقو على تفعيل القانون.

في ليلة من إحدى ليالي اللجان الشعبية (البلطجية) والتي كنت أمر فيها من شارع خاتم المرسلين ليلا في رحلة العودة سيرا على الأقدام من ميدان التحرير، فوجئت بكمية السلاح المشهرة في وجهي، كاد أحدهم أن يصيبني بساطور يطوحه بتهاون دون أن يراني أمر بجانبه، في لحظة بدأت حركة غير منتظمة في الصفوف، مع صوت لشاب يركض "المظاهرة جاية, المظاهرة جاية" أشهر الجميع أسلحتهم وتكفل حامل سنجة بالسير معنا كي يؤمننا من المستنفرين على طول الشارع، سألت بذهول: "هي المظاهرة هتعمل ايه، وليه الخوف منها" أجابني وهو يشير بيده لكل من يراه في نوع من تطمينه ودليل على أننا "العزل" مسالمين ولا نريد شرا "المتظاهرين جواهم بلطجية هيهجموا ع الناس" لم أفهم النظرية سألت زوجي "يعني هما هيقتلوا كل اللي في المظاهرة عشان يطلعوا منهم اللي في ايده سلاح"، لحظتها شعرت بخوف شديد أفرز دموع عيني، أدركت أن الأمر تحول فعلا لغابة السيد فيها من يحمل سلاحا اعتى ولبس الطيب لباس الشرير فلم يعد هناك من حدود فاصلة بينهما ولا سبيل للتمييز بينهما.

استكمالا للمشهد حتى يصل المعنى كاملا: المظاهرة كما سمعنا قبل دخولنا شارعنا الصغير والذي طلب منا الواقف عليه أن نخبره في أي بناية نسكن، كي يتأكد أني وزوجي لسنا عصابة "حمادة وتوتو" هي مظاهرة تأييد للرئيس وكانت تقريبا قبل ليلة خطابه الثاني لا أذكر تحديدا، والمؤكد لي أنها لم تمر من الشارع المستنفر، فيما أرجح أنها كانت مجرد إشاعة لإثارة الذعر في الحي.

عودة للبلطجة الشرعية، في هذه الليلة كان السؤال الذي يؤرقني، كيف يمكن التعرف على البلطجي الحقيقي مادام الطبيب والمهندس وتلميذ المدرسة الإبتدائية اللغات جميعهم يحملون أسلحة حادة؟ وفي حال تعرفنا عليه، كيف يمكن بعد هذه الليالي التي مارس فيها هؤلاء البلطجة وشعروا فيها بمدى فاعلية امتلاك سلاح يرهب ويخوف أن يعودوا إلى مظلة القانون الذي لم يخبروا إنصافه من قبل بسبب عدم قدرته على الحماية إلا من خلال واسطة؟

في هذه الليالي اكتشفت أن كمية من السلاح الأبيض تفوقها كمية أسلحة نارية (صوت وحي ورشاشات) لم أكن أتخيلها في حياتي، المثير للدهشة أنه يحدث خلال اسبوع الاستنفار الأمني الشعبي أن مر بلطجي من حمى الشارع سوى بعض من اشتبهوا في أنهم عائدون من معركة الجمل في إحدى سيارات مؤسسة الأهرام وتم القبض عليهم وتسليمهم للجيش)

السلاح الذي عرف طريقه للشارع بطريقة شرعية وبطلب مباشر من الدولة التي ناشدت المواطنين تشكيل لجان شعبية وأثارت الذعر في المواطنين من خلال وسائل الإعلام الرسمية، سيجد صعوبة في العودة إلى مخابئه مرة أخرى، إذ سيبدو مقبولا ( وهو ما يحدث الآن) سماع طلقات أعيرة نارية في الليل، ولن نفزع ونهرع إلى مكان الحادث سيراودنا خاطر أن بلطجيا هجم على مواطن فتبلطج ليؤمن نفسه. وحينها لن يكون هناك من يهتم لمعرفة الجاني من الضحية.

وما يزيد الطين بلة، أن كثيرا ممن تم القبض عليهم في الليالي الأولى لظهور اللجان الشعبية المسلحة كانوا من أفراد الشرطة السرية أو أمناء الشرطة، ليفتح قوس كبير يزداد اتساع يوما بعد يوم يجعل الشرطة (الجهاز الأمني المعتمد) تدخل في نطاق البلطجة مع الإحساس الشعبي بالخيانة من قبلها لتصبح الكلمة في الشارع لصاحب السلاح الأفتك بغض النظر عن صفته سواء كان من أفراد الشرطة أو بلطجي أو مجرد مواطن عادي اعتاد حمل سلاحه كي لا يفاجأه الموت وهو في طريق عودته لمنزله في العاشرة مساء

لا يتعلق الأمر بأمان الشارع اليوم، ولكن يتعلق بمفهومنا عن الأمان، عن نفسي لا أريد أمانا زائفا كذاك الذي انهار أو انسحب في الثامن والعشرين من يناير، المحكوم بفوهات جهنم في كل حي، ولا أريد أمانا تصنعه صفوف من الأسلحة البيضاء على جانبي الشارع،
ما اتمناه وهذا حقي كمواطن، هو الأمان الذي يجعلني على ثقة أني لو تعرضت لمكروه سيهب جميع من حولي لمساعدتي وسأصل إلى أقرب قسم شرطة لتقديم بلاغ رسمي يصل بي إلى محاكمة عادلة أستعيد من خلالها حقي.

هذا المفهوم في رأيي لن يتحقق في ظل جهاز لم يعترف بأخطائه، وشعب تعلم أن البقاء للأكثر بطشا وأن من عاش في ظل الخوف من الميري لن يعترض على الخوف من البلطجي، والحل يبدأ من الأعلى.

فحينها لن أرضى عن دماء تسيل من وجه ظابط بعد أن أرى زميله يحاكم داخل محكمة، سأتيقن أن هناك طريقا يظلله القانون يسري على جميع فئات البلطجية، وسأعرف أن أمانا أتمناه هناك في نهاية الطريق.



Wednesday, March 2, 2011

25 يناير


في عامي الجامعي الثاني وهذا كان منذ سنوات طويلة، وقفت ومجموعة من زملائي على سلم قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة في يوم الخريجين نحتج على مد فترة التدريب اللازمة للانضمام لنقابة الصحفيين إلى عامين، جهزنا اللوحات ووقفنا على السلم في انتظار زوار الاحتفال، لنفاجيء وقتها بدكتور سامي الشريف وكيل الكلية وقتها بمحاولاته العصبية لإجلائنا، مستنكرا الفكرة ومستعجبا منها قائلا: "انتوا فاكرين نفسكوا هتغيروا العالم بكلمتين على ورقة"، حينها صدمت ببراءة طالبة في كلية الإعلام، تمهد الطريق كي تصبح كاتبة تساهم في تغيير العالم بكلمة، ومع ذلك بدت كلماته لها صدى في العام التالي عندما نقلت إلينا تلفزيونات العالم الحرب الأمريكية على العراق على الهواء مباشرة وصرخنا في أرجاء الجامعة ولم يكن لكلماتنا من رد سوى المزيد المزيد من رجال الأمن والقنابل المسيلة للدموع.

رغم أني لم أشترك بعد الجامعة في مظاهرات سياسية ولم تكن لي ميول واضحة لممارسة أي نشاط سياسي، رغم انفتاح الجو بقدر معقول وبدايات انتشار العمل السياسي الافتراضي من خلال المدونات وغيرها، إلا أني كنت على خط التماس مع الحالة، وعلى أهبة الاستعداد للاندماج فيها.

ربما لهذا كنت في أول عشرين وقفوا محتجين في ساحة مقر عمل موقع اسلام اونلاين اعتراضا على السياسات التي كانت تمارسها الإدارة القطرية حينها، وتصدرت المشهد في اليوم العاصف وكنت آخر المنسحبين من أرض المعركة.

وعندما انتشرت دعوة 25 يناير، شعرت أن هذه المرة لن أتخاذل وسأكسر الحاجز، رغم تحذيرات صريحة من مقربين أن الأمر لن يكون بسيطا، خبراتي الاحتجاجية السابقة لم تكن في مواجهة صريحة مع القوى المضادة، ومع ذلك شيئا ما دفعني للثبات على موقفي، مدعوم بكراهية صريحة لجهاز الشرطة وأدواته المعاونة، وغضب حقيقي من وضع البلد .

يومها كنت منذ نزولي من المنزل وأنا اراقب بحذر كل تفاصيل الشارع بحثا عن الاختلاف، ولم الاحظه سوى عند كوبري الجلاء، حيث سيارات الأمن المركزي، ثم الهدوء المريب في نواحي الأوبرا، مع انتشار للمخبرين الذين يتفحصون وجوهنا بشك.

بدأنا في الاستماع لصوت خطواتنا مع عبرونا إلى كوبري قصر النيل الخالي إلا من القليلين الحاملين حذرهم، والسائرين بهدوء يناسب ثقل الجو المغلف للمشهد.

عبرنا إلى عبد المنعم رياض، كان الطريق إلى الميدان مغلق، فتحركنا وفق التعليمات في اتجاه دار القضاء العالي، لنقابل الجموع المتحركة عند سنترال رمسيس في شارع رمسيس، يمرون وسط السيارات كما الموج المندفع يهتفون بقوة "يسقط.. يسقط .. حسني مبارك" و يرددون وفق نغمة موزونة "تغيير، حرية، عدالة اجتماعية"، نتحرك بقوة وجسارة نحاوط كردونات الأمن التي لم تتعرض لنا بشراسة ، نكسرها الواحد تلو الآخر حتى وصلنا إلى ميدان التحرير الخالي إلى من صفوف عساكر الأمن المركزي المحيطة به .

رغم مناداة البعض بضرورة البقاء في الميدان لكن شكا ساورنا في انهم يحاصرونا، فتحركنا ناحية مجلس الشعب لنقف عنده، وصلنا كانت صلاة العصر قد أذن لها، فأقام الرجال الصلاة فيما كان يحرسهم البقية من بطش العساكر الذين رفعوا هراوتهم لضرب المصلين، ما إن انتهى الجمع من الصلاة، حتى ارتفعت السرينة التحذيرية للمدرعة التي كانت تقف في مواجهتنا واقترب العساكر من خلفنا، 3 دقائق وبدأ الضرب ، من العساكر بالهراوات والحجارة ومن المدرعات بالمياه، كنا ما يقرب من الألف، جرينا لنتفرق في الشوارع الجانبية لشارع القصر العيني، كانوا يطردونا حتى بالحجارة حتى نختفي من أمام أعينهم.

حاولنا الرجوع مرة أخرى للمجموعة التي كانت في الميدان بعد ان انضم اليها المظاهرة التي جاءت من جامعة الدول العربية، لكن الأمن المركزي كان قد احكم السيطرة على كل الشوارع المؤدية إلى الميدان.

قضينا بعض الوقت في نادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، ووصلتنا أخبار أن من في الميدان سيعتصمون، فقرر الرجال العودة إلى هناك بأي طريقة ممكنة فيما تحركت مع صديقتي عائدة إلى البيت أتابع من خلال الفيس بوك وقائع ما يجري في الميدان، ليلتها انتشرت الصورة المبهرة للجموع في الميدان المضاءة بالأمل في التغيير، والفيديو الذي يهتف فيه الجالسون على الأرض "الشعب يريد إسقاط النظام" ليعلن بشكل رسمي بداية الثورة المصرية.

ليلتها حاولوا التشويش على الاتصالات في محيط ميدان التحرير، فكنت اتصل بصعوبة شديدة لأطمئن على زوجي والأصدقاء، كنت أعرف أنهم لن يدعوا الليلة تمر، فكرت أنهم سيبدأوا في فض الاعتصام بعد الثانية صباحا لكنهم لم يكون لديهم القدرة على كل هذا الصبر فبدأوا بعد نصف ساعة من منتصف ليل الثلاثاء في فض الإعتصام بوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، ودهس المتظاهرين بالمردعات، ليتم تفريق حوالي 10 آلاف متظاهر خلال سبع دقائق وما يحكى عن الضرب والاعتقالات أثناء ذلك يكشف عن مدى شراستهم وذعرهم من استمرار الاحتجاجات.

زوجي وصديقه تمكنا في الإختباء فوق سطح إحدى عمارات وسط البلد، مع ما يزيد عن الأربعين شخصا، كاتمين أنفاسهم لمدة ساعة كي لا يشعر بهم الظباط الذين لم يفتهم الاطمئنان إلى أن احدا يفكر في الهرب من قبضتهم في ظلام السطوح وبرده.

كانت ليلة أولى طويلة، لكنها كانت ضرورية كي تزيد من الحماس وتشعل الثورة، وتمهد ليوم جمعة الغضب المجيد...

Tuesday, February 22, 2011

زمن الثورة

لم يخطر في بالي أنا الفتاة التي تردد في غير مبالاة أنها غير منتمية ولا تجد تعريف مقنعا لمعنى وطن

سوى أنه المكان الذي تعيش فيه دون أن يسألها أحدهم عن سبب تواجدها فيه

أقول لم يخطر في بالي

أن أردد بكل حماس وقوة

مصر يا أم

وأن أخطو بثبات على طريق ترك الموت علاماته على جانبيه لأجل فكرة معنوية حدودها "الوطن"

..

لازلت غير قادرة على استيعاب الصورة

في ذات عصر أحد أيام الثورة المجيدة، كنت أرهف الاستماع لصوت خطواتي في شارع التكعيبة الخالي إلا من بقايا ملصقات لفعاليات ثقافية

وقلت بصوت مسموع

"هذه لحظة تاريخية حاسمة, لم أكن أحلم يوما أن أعيشها"

قلتها انبهارا بكوني اخترت شاهدا وفاعلا فيها

وخوفا من حمل المسؤولية

ما سوف أتركه لأولادي كي يعيشوا وفقه, اضع حدوده وإطاره بيدي

يلح سؤال واحد وقاسي على عقلي وقلبي

هل ما نفعله صحيح؟

يأتيني الجواب يوما محملا بالأمل

ويوما ببعض إحباط

وأياما بانتصارات صغيرة توشوش لقلبي المرتجف

بأن بكرة أحلى

...




Tuesday, January 4, 2011

الألفين وإحداشر

صفحت عن الماضي

بحذر

قلبت صفحته

التي لا مكان لحرف عطف

على المستقبل فيها

بحرص

طويتها

خوفا من أن تقع كلمة ما

بذرة منها

على فضاء صفحتي الجديدة

الصامته

هالا محمد

شاعرة سورية