Saturday, May 23, 2009

على هامش "كائن لا تحتمل خفته" لميلان كونديرا

سمعت كثيرا عن ميلان كونيدرا من صديقي الذي يفضل المنتج الغربي في الكتب.. تخوفت من الإقتراب منه فقد سمعت آراء لا تفضله لأنه لا يقص بقدر ما يؤلف.. وأنا في الغالب أحب الحكايا.. تأخذني معها حيث أحب أن أكون.. لكن وجود نسخ من كتبه أمامي دفعتني إلى محاولة الدخول على عالمه.

رغم أن الكتاب معي منذ أكثر من 3 أسابيع غير أني لم أمسه سوى صباح اليوم.. رغبتي في القراءة دفعتني إلى الرف أخذت الكتاب وبدأت وأنا في طريقي إلى العمل..

بدايته جاءت قادرة على إشعال خلايا عقلي المرتكن إلى زيادة نسبة المشاعر المختلطة في نفسي.. يتحدث عن العود الأبدي وكأنه يشدني من يدي يدفعني لأرى الصورة من زاوية جديدة.. الحياة من منظار آخر هكذا يقنعني في لحظات بما فشلت فيه خلال الفترة الماضية..

يقول كونديرا : "منذ زمن بعيد فاجأني شعور غير معقول كنت اتصفح كتابا عن هتلر فوجدت نفسي مأخوذا أمام بعض من صوره. ذكرتني بزمن طفولتي التي عشتها خلال الحرب. كثيرون من افراد عائلتي لاقوا حتفهم في معسكرات اعتقال نازية. ولكن ما أهمية موتهم أمام صورة هتلر التي ذكرتني بزمن غابر من حياتي, بزمن لن يعود؟
إن هذه المصالحة مه هتلر تفضح عمق الشذوذ الإخلاقي الملازم لعالم مبني أساسا على انعدام العود. ذلك أن كل شيء في هذا العالم مغتفر سلفا وكل شيء مسموح به بوقاحة.

تعجبني الروايات التي تذهب مباشرة للفكرة دون أن تدور حولها في سرد سلس لا يمكنك من التوقف ولو للحظات قبل أن تتم الفكرة.. رغم أن الرواية مترجمة إلا أن ترجمتها لم تقف حائلا دون الاستمتاع بسرد العديد من الأفكار التي للصدفة البحته تبدو وكأنها تعيد تسطير بعضا من نفسي.
فكرة انعدام العود كانت تراودني منذ يومين تلك الفكرة التي تملؤك حنينا لا تقوى على السيطرة عليه يجرف معه كل تلك الذكريات غير المرغوب فيها المتعلقة بالماضي.. الماضي مليء بالأشياء الكريهة لكنه يحمل بريقا كونه لن يعود.

يترك الماضي ليضعني أمام الإشكالية الحاضرة في أي قرار هو الصحيح لحظة أن نقف أمام مسألة ما يحاول هو قراءة الموقف "لا توجد أية وسيلة لنتحقق أي قرار هو الصحيح, لأنه لا سبيل لأية مقارنة. كل شيء نعيشه دفعة واحدة, مرة أولى ودون تحضير. مثل ممثل يظهر على الخشبة دون أي تمرين سابق. ولكن ما الذي يمكن أن تساويه الحياة إذا كان التمرين الأول الحياة نفسها؟ هذا ما يجعل الحياة شبيهة دائما بالخطوط لاأولى لعمل فني, ولكن حتى كلمة "خطوط أولى" لا تفي بالغرض. فهي تبقى دائما مسودة لشيء ما, رسما أوليا للوحة ما. اما الخطوط الأولى التي هي حياتنا فهي خطوط للاشيء ورسم دون لوحة"

حاولت أن أدور حول هذه الفكرة في محاثة قريبة مع صديقتي التي فتحت الباب للحكي ربما يكون فيه بعض راحة لا اذكر أنها طلبت نصيحة ربما حاولت أن أتبرع بها.. قلت لها لن نعرف إلا بالتجربة ما إذا كان خيارك صحيح أم خاطئ؟
وهاهو يستمر في الخطو على ذات الطريق الذي أرتبك وأنا أمر فيه في حديثه عن علاقة الرجل بالمرأة عبر علاقات توماس الذي يخاف النساء ويلتزم بقاعدة ثلاثية مفادها "يمكننا أن نرى المرأة نفسها في فترات متقاربة جدا شريطة ألا تزيد على ثلاث مرات. أو يمكننا أن نعاشرها لسنوات طويلة شريطة أن نترك على الأقل مهلة ثلاثة أسابيع بين اللقاء والآخر".

إلا أنها تكسر في ظل وجود تيريزا الفتاة الريفية التي جعلته يفكر في "إن مضاجعة امراة والنوم معها رغبتان ليستا مختلفتين فحسب بل متناقضتين أيضا فالحب لا يتجلى بالرغبة في ممارسة الجنس (وهذه الرغبة تنطبق على جملة لا تحصى من النساء) ولكن بالرغبة في النوم المشترك (وهذه الرغبة لا تخص إلا امرأة واحدة)"

تبدو رؤيته للعلاقة هنا شديدة الحساسية وعميقة تجعل من العلاقة الجسدية ليست غاية بقدر ما هي تجسيدا للحب وجزء من حالة التكامل التي تبدو جلية في المشاركة في سرير واحد.. ليتسع مفهوم السرير اللي تم حصره في ذهنيتها كمعادل موضوعي للرغبة الجنسية. السرير هنا أصبح مشاركة حياة يومية.

لازالت الرواية طويلة هذا فقط ما حصدته خلال ثمانية مقاطع من الفصل الأول .. أفكر أني سأحتاج إلى كتابة الرواية كاملة هنا لكن دعونا لا نتفاءل فقد أفقد حماسي (غالبا ما يحدث) حتى قبل أن أنهي الفصل الأول.

Saturday, May 9, 2009

زي رقمي



""الكتابة هى الملاذ الأخير لمن خان
جان جنيه

تابعت تلاحق أنفاسه على الهاتف.. كنت أجيب على فترات متباعدة بتنهدات تكتم أكثر مما تعلن.. تذكرت أنه ذات مكالمة وهو يمارس عادته فى كشف أركان بيته، أخبرنى أن لخط التليفون جهازى استقبال.. سألته عن احتياطاته الأمنية .. فأكد لى أنه تخلص من الموجود فى الصالة !!
شعرت باغتراب على مكتبه وأمام جهازه.. وببرودة بين كتبه ذات التغليف الفخم.. بعد أن اعتدت دفء غرفة نومه التى فقدت شرعية دخولها.. ولو حتى متنكرة بزى أرقام على شاشة جهازه النقال.
أنهيت المكالمة بصعوبة اقتلاع ضرس سليم.. لملمت مشاعرى.. حاولت ارتداء ابتسامة.. فلم أجد مفرا من أغلال الفكر.."ليس من حقك.. ليس من حقك".

************ *
عرفته دائما رجل التناقضات, يحترف الرقص على سلم الكلمات.. يصعد بى إلى سماوات حبه... ويلقينى بسرعة الضوء إلى أعماق الحيرة.. أبحث عن مكانى فى مداره الذى يشغله قمر غيرى!!
جاءنى صوته قبل زفافه بأيام مجللا بالفرح "وحشتينى.. بحبك.. والله بحبك" .. ذيل ضحكتى.. بدعوتى إلى الحفل" ياريت تيجى" ..

************ **

قبل أن أعتاد ظلمة الدور الذى لم أختره.. ألححت عليه ونحن فى إحدى سيارات الأجرة.. نقصد مكاننا المفضل.. أن أراها.. أجابنى بمنطقية سيد الموقف.. "لن تتحملى .. انسى وجودها".. لم تردعنى نظراته التى شفرت تمتمات الإثم" ليس من حقك".

************ ***

التقينا بعد شهر تمرغ هو فى عسله وترك المرارة فى حلقى.. تبادلنا الأخبار مرتديين قناع البراءة.. أقنعت نفسى بعد أن ربت فوق كفى مودعا.. أنى بيضاء أمام ضميرى الذى بدا لحظتها متعنتا.. يصدر أصواتا مكبوتة بقوة شوقى الذى لم ينطفئ.

************ ***
نظراته المدججة بالرغبة والإعجاب تنسج حولى خيوطا.. تسلبنى حق تقرير مصير قلبى.. تشدنى إليه كلما حاولت هجر جناتى التى زخرفتها يداه على مدى عامين.. صدفة كان لقاؤنا بعد إحدى محاولاتى.. لم يتطلب الأمر منه سوى النطق بكلمة السر.
" أنتى أغلى حاجة عندى" .. تركته ومخالب الذنب تنهش فى جسد الفرحة العارى.. وصدى الألم يردد "ليس من حقك"

************ ****

ليلا.. برفقة الوحشة.. امتد جسر بين ضفتى الحرمان والأمل.. أتقلب بين أفكار متشحة بالسواد.. وأخرى تلمع بلون الذهب.. أستند إلى حائط الذكريات.. تضعف سلطة قلبى.. أفك أسر دمعاتى المحتجزات.. استجدى الرحمة من الرحمن.. أتلعثم فى طلب التوبة.. أؤمن على صوت يهمس "ليس من حقك".

*****************

* القصة فازت بالمركز الأول في مسابقة "عين على بكرة" ونشرت بجريدة اليوم السابع