Tuesday, June 15, 2010

كمال

ليس العالم ناقصا, ولا يتطور تطورا بطيئا في طريق طويل إلى الكمال, كلا إنه كامل في كل لحظة, وكل خطيئة تنطوي في داخلها على الغفران, والأطفال الصغار جميعا شيوخ كبار بالإمكان. والرضع جميعا يحملون الومت كامنا فيهم والأموات كافة موعودون بالحياة الأبدية. وليس من الممكن لشخص واحد أن يرى إلى اي مدى بلغ الشخص الآخر من أشواط الطريق.
إن بوذا موجود في اللص مثلما هو موجود في المقامر, واللص موجد في البرهمي. ومن الممكن أثناء التأمل العميق نفي الزمان ورواية الماضي والحاضر والمستقبل جميعا في آن معا, وعندئذ يصبح كل شيء خيرا كاملا براهما, ومن ثم, يبدو لي أن كل ماهو موجود خير الموت والحياة على حد سواء. الخطيئة والقداسة, الحكمة والجنون.
كل شيء ضروري, كل شيء لا يحتاج إلا لموافقتي وتسليمي وفهمي المحب
وحينئذ يصبح كل شيء على خير ما يرام معي, ولا يستطيع شيء ان يصيبني بضر. لقد تعلمت عن طريق جسدي وروحي أنه لا مفر لي من الوقوع في الألم وأنني في حاجة إلى الشهوة, وأنه ينبغي على أن أسعى للتملك, وأن أعاني الغثيان وأعماق اليأس حتى أتعلم ألا أقاوها, وحتىأتعلم أن أعشق العالم وأن أكف عن مقارنته بنوع آخر من العالم الخيالي المرغوب فيه بنوع من الرؤية الخيالية للكمال, وإنما أن أتركه كما هو , وأن أحبه وأكون مسرورا بالإنتماء إليه.
من رواية "سيد هارتا" للروائي الألماني "هيرمان هسه"

Sunday, June 13, 2010

في محيط النور

أتذكر بابتسامة هدوءه الخادع, فابتسم لقدرته على حمل مختلف الوجوه في حقيبة يده, يبدلها وقتما يشاء, نافيا بطريقة عملية أن يكون تعدد الوجوه صفة غير مرغوب فيها.
على خلفية موسيقى الرحبانية المفعمة بالحنين كان لقاؤنا الأول, والذي ساهم شتاء يناير في إضفاء القليل من الشجن على أبعاده, لتتشكل عندي حالة مثلثة الأضلاع تدفعني للانتشاء مكونة من "قديش كان فيه ناس, غيم يناير, سعيد أبو معلا"!
يتكفل وجود أحد الأضلاع باستدعاء بقيتها, لتعيدني إلى ذات الحالة وكأني أتنقل بخفة بين برك مياه خلفها المطر, ذلك الذي تركنا (أنا والأرض) في حالة من الإجهاد المنعش.
منذ رحيل سعيد, لا ليست مناسبة إطلاقا كلمة رحيل, منذ عودة سعيد إلى بلاده وأنا أفكر في طريقة لاكتبه بها, أخلده على جدار تاريخي الشخصي, أحدد بخط مضيء حول بصماته التي تركها على حياتي, لكني في كل مرة لم أكن اجد مدخلا مناسبا للكتابة عنه.
بالأمس خطر لي أن المارين في حياتنا يبدون كما الفوهات المفتوحة على ما لا تعرفه, إما أن تخرج نورا يضيء لك جوانب روحك, فتتمكن وأنت في نطاقه من استخراج أفضل مالديك, وإما أن يكون فوهة مظلمة تفتح بداخلك بؤر الظلام وتفك أسر وحوشك, ويحل عن عيوبك وثاقها, لتصبح على أسوأ هيئة عرفتها!
نور سعيد قادر على إضاءة دائرة مكتملة حوله, ليساعد جميع المحيطين به على أن يروا أنفسهم بسهولة, ويتعاملوا مع نقاط النور في أنفسهم بسهولة ويسر, كل ماعليك وأنت في مداره أن تنزر لنفسك جيدا وتبدأ في اتباع التعليمات!
الأجمل أنه لا يفعل ذلك عن قصدية ولا عمدية, هو يفعله بالفطرة, بالطبيعة, وجوده في المكان قادر على تحريك جميع الأشياء / الأفكار/ الأشخاص من حوله, وكأنها تتراقص على مقطوعة موسيقية هو مؤلفها ترن في إذنه هو وحده.
رغم انتقاداته اللاذعة دائما, واعتراضاته المختلفة على كل ما حوله, إلا أنه وبطريقة على الأقل مثيرة للدهشة لي أنا تحديدا, قادر على كسب ود الجميع حتى من يقف معهم على طرفي النقيض!
..
بعد ذهابه, تجنبت النظر إلى المكتب بجانبي لعدة أيام, كي لا يغلبني الحنين/الدمع, لكن بعدها توقفت طويلا أحاول العبث فيما تركه حلفه من كتب وأوراق, لتلتقط يدي صورة بالأبيض والأسود مع شجر الزيتون,, علقتها بجانب تشكيلاته الفنية التي تتوسطها جملة درويش "ياله من نهار", وابتسمت.
بعدها بأسابيع لم أتمكن من الاستمرار في المكان كله, ربما هربا من هاجس دخوله بطريقته المعروفة التي يحول فيها غرفة الأخبار إلى خشبة مسرح,, يندفع بقوة إلى ما بعد الباب بقليل, يتوقف, يدور بعينيه في الغرفة ويسأل بجدية "وين الجيش؟".
ربما لا تسمح الأيام بالعمل مرة أخرى مع سعيد, وذلك رغم أنه ليس جميلا إلا أنه ليس حزينا, فسعيد علمني كيف أفكر/ أكتب/ أعيش الحياة بطريقة مختلفة,, مثل هذه الدروس يصعب نسيانها ويصعب تجاوز معلميها, يظل هؤلاء بداخلنا يطرقون أبواب الأمل والتغيير للوصول إلى المختلف والجديد والمدهش كلما زادت جرعة اليأس والعادي والمكرر.
قد لا تكون سمعتها ياصديقي من قبل, لكن من حقك أن أقول: شكرا لك على كل ما فعلته معي/ من أجلي, على مرورك في حياتي, على بقاءنا أصدقاء, بأمثالك تصفو الحياة.