Saturday, April 14, 2012

رجل العام: شيخوخة الديمقراطية ولعبة الإنتخابات


السياسيون كما حفاظات الأطفال، يجب تغييرهم باستمرار.. قد يحمل التشبيه فجاجة، لكنه يحمل أيضا حقيقة علينا جميعا أن ندركها كي نحافظ على فاعلية الديمقراطية.. هذا ما يحاول فيلم "رجل العام" أو "MAN OF THE YEAR"، قوله من خلال كوميديا جادة إن صح التعبير.
يحشد الفيلم -بطريقة قد تبدو مباشرة إلى حد كبير تقلل من فنيته في نظر البعض-، مجموعة من الأفكار الناقدة للعملية الديمقراطية الأمريكية برمتها في طورها الحالي الذي شابه بفعل الزمن بعض الترهل.
الفرجة على الفيلم في ظل الظرف الحالي، ونحن لم نكد نلتقط انفاسنا بعد من سباق الانتخابات البرلمانية لندخل في معصرة الانتخابات الرئاسية، تسلط بقعا ضوئية على المشهد العام.
يبدأ الفيلم من الإحباط الذي أصاب المواطن الأمريكي العادي من العملية الإنتخابية في أمريكا، فليس كل ما يقال في سباق الانتخابات يتم تنفيذه في الفترة الرئاسية للرئيس أيا كانت مرجعيته السياسية، واضعا شعارا كبيرا للقضية مفاده: "ليس معنى أن هناك انتخابات تجرى وبشكل نزيه أنها تحقق آمال الشعب".
تحولت الانتخابات الأمريكية إلى عملية مصالح ما بين الحزبين الكبيرين "الجمهوري والديمقراطي" أو "الأحمر والأزرق" كما يعرفهم الشعب الأمريكي، وما يتصل بهما من جماعات ضغط، لتكون النتيجة: "أن شعب أمريكا لا يتم تمثيله، ما يمثل حقا هو جماعات الضغط التي تدين لها الحكومة بوصولها إلى الحكم، ليضيع المبدأ الأساسي بأن الحكومة من الشعب وأتت من قبل الشعب وتعمل من أجل الشعب"، يحدث ذلك بسبب قانون المصلحة الذي يحكم العملية منذ بدايتها، يتم تقديم مرشح يدعمه الحزب وتموله شركات رأسمالية، فعندما يصل إلى الحكم لا يستطيع فكاكا من تنفيذ سياسة حزبه وتحقيق مصلحة مموله، ويغيب الشعب عن المعادلة.
حقيقة كهذه، لا يمكن الوصول إليها بسهولة، تتطلب مسافة خارج المنظومة كي يمكن الوقوف عليها كان موقع بطل الفيلم الكوميديان الساخر الذي يرصد الواقع السياسي  بسبب طبيعة عمله، هو الأقدر على صياغة الفكرة والأقدر كذلك على تقديمها للجمهور بطريقة مثيرة للضحك والتفكير، خاصة وأن السياسيون-كما يطرح الفيلم- يجيدون استخدام "أسلحة التشويش"، يثيرون قضية حول تعديل دستوري لتجريم حرق العلم، لتشتيت الإنتباه عما هو أهم بالنسبة للشعب بالقضايا التي تحدثوا عنها في حملاتهم الإنتخابية من تعليم وعلاج وبيئة.
مثل هذه القضايا الشعبية مثارة فقط خلال مناظرات الحملات الانتخابية الممولة من قبل "جماعات الضغط المختلفة التخصصات"، فالرئيس الذي يتحدث عن تدشين مشروع السيارة الهيدروجينية لن يفعل ذلك حقا لأنه ممول من أضخم شركات البترول في أمريكا، وبالتأكيد لن يدشن مشروعا يتضارب مع مصالح مموله، الذي أصبح مدينا له بإيصاله إلى البيت الأبيض.
يؤكد الفيلم حقيقة أن العملية برمتها أصبحت مجرد عملية/ آلية/ قشرة تبرق بلون خاطف وتضحد تهمة الإستبداد بالحكم أو النكوص في طريق الديمقراطية، "فالساسة قد حادوا عن طريق الشعب، لم يعودوا مسئولين عن الشعب أصبحوا مسئولين فقط عن أحزابهم والجماعات التي تمولهم".
يحاول بطل الفيلم الكوميديان أن يربك اللاعبين الأساسيين فيتقدم لترشيح نفسه، ولكونه يهتم بشكل واضح وصريح بما يعانيه الشعب، يلقى نجاحا كبيرا، لكن هذا النجاح لا يصل لأبعد من الاحتشاد والتصفيق.
إذ يقر الفيلم حقيقة قد تبدو للوهلة الأولى غير منطقية، وهي أن الشعب واع بتلاعب الساسة والنظام بآماله، وغير راض عن آداء الإدارات الأمريكية المتوالية عليه، ومع ذلك عندما وقف أمام الاختيار بين مرشحي الحزبين الكبيرين وآخر مستقل، ذلك الذي فضح لهم ممارسات الرأسمالية باسم الديمقراطية، اختار الشعب من يعرفه، اختار رئيسه السابق، لم يحصد المستقل اصواتا تقربه حتى من الفوز على الرغم من أنه لم يخضع لقواعد اللعبة من صرف مليارات على الحملة الانتخابية كي يصل للبيت الأبيض غير مدين لأحد سوى الشعب الذي سيصبح مسئولا عنه، مهتما بقضايا حياته اليومية.
إلا أن السياسة ليس فيها مكان للأحلام والأفكار الأفلاطونية، السياسة تلوث من يدخل ملعبها، تطبعه بطابعها الخاص، والمهم ليس تحقيق مباديء الديمقراطية بقدر ما هو الأهم أن يتم ذلك بصورة صحيحة، "فالاحساس بالشرعية أهم من الشرعية ذاتها" هذه هي الحقيقة العظمى كما يأتي على لسان أحد شخصيات الفيلم.
ليس مطلوبا ممن هم خارج اللعبة سوى أن ينقدوا، فكما يقول البطل: "المهرج لا يحكم المملكة، ولكنه يجعل من الملك أضحوكة"، السخرية السياسية هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها خلخلة النظام المترهل وأعادة الدماء إلى عروقه، ربما يكون قد حدث ذلك فعليا في الفيلم الذي لم ينجح فيه البطل في الوصول إلى البيت الأبيض إلا أنه حرك بدخوله إلى العملية الإنتخابية المياه الراكدة، إذ أن الفترة الثانية للرئيس المنتخب لم تكن الأفضل ولكنها كانت أفضل كثيرا من سابقتها، وهو ما حاول الفيلم ربطه بالحجر الذي ألقاه الكوميديان.
...
قصة الفيلم:
يحكي الفيلم عن "توم دوبس" مقدم برامج سياسية ساخرة، يقرر أن يخوض معركة الانتخابات كنوع من الاعتراض على احتكار الحزبين الجمهوري والديمقراطي للرئاسة على مدى سنوات طويلة، ولكن وفقا للنظرية التي تقضي بأن "شيئا يقود إلى آخر" تتحول الحركة الاحتجاجية إلى واقع، إذ حقق "دوبس" عددا من الأصوات في المراحل التمهيدية للإنتخابات جعلت منه مرشحا محتملا في الإنتخابات.
ساهم في ذلك تقديم إحدى شركات البرامج التقنية برنامجا للاقتراع الإلكتروني، تم اعتماده في الانتخابات الرئاسية، يقوم بحساب الأصوات والنتائج بطريقة الكترونية.
إلا أن خللا ما في البرنامج تكتشفه "إليانور" إحدى العاملات في الشركة يأخذ الفيلم إلى عقدته الأساسية، الخلل يظهر نتائج عكس ما هي عليه في الواقع، تحاول إليناور تنبيه مدير الشركة ومالكها إلى المشكلة، إلا أنهما في البداية ينكران معرفتهم بها، ومع اصرارها يوجهان لها اللوم لانها تحاول ببحثها عن عيوب البرنامج توريط الشركة ودفعها إلى خسارة أموالها التي دفعت في البرنامج وتسويقه.
تحرص اليناور على فضح التلاعب بالديمقراطية، إلا أن الشركة حفاظا على مكاسبها المالية تحاول أن تلفق لها تهمة تعاطي المخدرات وتطردها من الشركة.
يتمكن "دوبس" وفقا لنتائج البرنامج من الفوز بالانتخابات الرئاسية، في مفاجأة للجميع، إلا أن إليناور تتأكد عبر الدخول إلى الشبكة الرئيسية للشركة بأن الخلل في النظام هو ما جعل منه رئيسا لأمريكا، وحينها تقرر الذهاب لإخباره بالحقيقة، يتلقى الخبر بصدمة لكنه لا يتشبث كثيرا بالكرسي، بمجرد احساسه بان الشعب لم يختاره، يكشف "دوبس" بنفسه للشعب الأمريكي عن اللعبة التي تمت ليصبح رئيسا، ويعود مرة أخرى مقدما للبرامج السياسية يجلد بسياط نكاته ظهور الساسة.