Wednesday, December 28, 2011

إلى عم صلاح جاهين في عيد ميلاده


دخل الربيع.. فتشت عنك يا عم صلاح.. الربيع الذي بشرت به وحذرت منه وضحكت له وبكيت عليه، سألته عنك.. فلم يجبني، شعرت بالفراغ الذي تركه غيابك في المشهد المزدحم بأبطاله، لامس الربيع حيرتي  فترك لي بدل وروده إليك كتاب رباعياتك فكان رفيقي المخلص في درب الوطن الطويل.. ورحل! تركني أبحث عنك في وجوه البشر الذين تذكروا هذا العام أن لهم وطنا يعيشون فيه ولهم حق يبحثون عنه مسترشدين بحكمتك الخالدة التي تقول:
شاف الطبيب جرحي وصف  له  الأمل
وعطاني منه مقام يا دوب  ما  اندمل
مجروح جديد يا طبيب  و جرحي لهيب
ودواك   فرغ مني ....   و إيه  العمل
والعمل كان إعادة صناعة الأمل، ولم يكن ذلك ممكنا سوى بالدم، الذي سال في الشوارع معلنا نهاية أيام الاستعباد التي بشرت بها:  إقلع     غماك   يا تور   وارفض   تلف.. إكسر   تروس   الساقية  و  اشتم وتف
كسرنا تروس الساقية وكسرنا معها الخوف الذي كبلتنا به السنوات الطويلة، وكسرنا القاعدة التي تم تلقينها لجيلنا وما سبقنا من أجيال عن أن "من خاف سلم" وأن "الحيطة" دائما هي ملاذنا الآمن مادمنا ملتزمين بها.. كسرنا الطوق وشبينا وأعتقد أنك سمعت هتافنا فأجبتنا:
سمعت نقطة ميه جوه المحيـــــــط
بتقول لنقطه ما تنزليش في الغويط
أخاف عليكي م الغرق .. قلـــــت أنا
ده اللي يخاف م الوعد يبقي عبيط
لنلاقي وعدنا المكتوب في الميدان الذي غنيت له منذ عقود، فكانت الثورة التي أعادت لمصر الروح فصرخنا من النشوة رغم قسوة الأيام:
صورة صورة صورة كلنا كده عايزين صورة
صورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة
صورنا يا زمن يازمن صورنا
هنقرب من بعض كمان هنقرب من بعض كمان
واللي هيبعد من الميدان اللي هيبعد م الميدان
عمره ما هيبان في الصورة
اتحدت صفوفنا واجهنا أمواج الموت المتتالية، وأمواج القهر السلطوي والشعبي لفكرة صدقناك حينما نطقت بها في عرض أشعارك:
خوض معركتها زي جدك ما خاض
صالب وقالب شفتك بامتعاض
هي كده ما تنولش منها الأمل
غير بعد شد وجذب أوجاع مخاض
وكان مخاضا صعبا برغم البشاير التي حملتها لنا أيامه الأولى، ربما لازلنا نعاني أثره حتى اليوم، لكننا لم نهزم ولم ننكسر، تحملنا خسارات الأرواح في سبيل الحياة لوطن عشت عمرك تتغنى باسمه
على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء
أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء
باحبها وهي مالكه الأرض شرق وغرب
وباحبها وهي مرميه جريحة حرب
باحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء
واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء
واسيبها واطفش في درب وتبقى هي ف درب
وتلتفت تلقيني جنبها في الكرب
والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب
على اسم مصر
مصر التي اكتشفت شبابها الذين خرجوا من أجلها، من غفلت عنهم بسبب جور حكامها، فأعادت صياغة حاضرها لصناعة مستقبل جدير بهؤلاء الأبطال، شبابها الذين هم أبنائك أنت من حفظوا رباعياتك ورددوها مع على الحجار ومحمد منير وتربوا على صوت عبد الحليم يغني للوطن وسعاد حسني تغني للربيع رفيقك ورفيق ثورتنا الذي حمل لك ورودا وتركها بجانب قبرك لينطلق عبيرها ويوقظ روح مصر في ثورة شبابها
كم افتقدتك يا عم صلاح في ليل الميدان البارد، كم تمنيت لو تطل بجسدك الضخم تمر بنا ونحن على الأرض نناور الموت وننتظر الحياة تأتي في هيئة بيان!
لكن طيفك لم يزرنا، زارنا أصحاب الزي "الكاكي" وأطالوا الزيارة، ولم ونسلم منهم أيضا، يظل العسكر هم العسكر في بغداد أو الجزاير أو التحرير
انا كل   يوم   أسمع ........ فلان  عذبوه
أسرح     في    بغداد و الجزاير   واتوه
ما أعجبش م اللي يطيق بجسمه العذاب
و اعجب   من اللي   يطيق   يعذب أخوه
يظل الدم في الشوارع يغرقنا في سؤالك الذي ظل معلقا في أجواء الثورة التي تخطو خطواتها الأولى إلى أن تغدو دولة بالمعنى المفهوم
علي رجلي دم .. نظرت له ما احتملت
علي إيدي دم.. سألت ليه ؟ لم وصلت
علي كتفي دم.. و حتي علي رأسي دم
أنا  كلي دم .. قتلت ؟ ..... والا اتقتلت
عجبي !!
دائما ما كنت تستخدم الأسئلة، ظلت أسئلتك بابك المفتوح للوصول إلى إجابات أصدق أنك كنت تعرفها لكنها ظلت هناك في قلبك الممتليء بحب الوطن ذلك الوطن الذي مرضنا به في عامنا هذا، لنقف في يوم ذكراك هذا نرثي إبداعك الذي كان رهنا له ونرثي وطننا الذي أصبحنا رهنا له! لا نملك سوى أن نردد
كام اشتغلت يا نيل في نحت الصخور
مليون بئونه و الف مليون هاــــتور
يا نيل أنا ابن حلال و من خلفتــــــك
و ليه صعيبه علي بس الأمــــــــور
وعجبي !!!

Saturday, December 24, 2011

الأمن والدماء

اتساءل وأنا أحاول ألا أبدو متجنية على الدين الذي يتحدث عنه رجال عرفناهم أهل دين، هل يوافق الدين على قتل الناس وسحلهم في الشوارع هل يوافق الدين على تعرية النساء وهتك اعراضهن؟ تأتيني الإجابة من الشيخ صبري مسعود الذي أثق في رأيه وأعرف أنه لن يجانب الحق إرضاء لميل أو هوى
اشتكيت له قلة حيلتي قائلة:
أنا بحاول اتكلم معاك يمكن تقولي كلمة تشفي غليلي خصوصا ان معظم من يتكلمون باسم الدين دلوقتي بيتكلموا بطريقة مافيهاش انسانية، واللي اقدر اقول على قلة علمي إنه مش من الدين اللي أنا اعرفه
فرد علي بحسم:
يا هدى ماينفعش نسيب اي حد يتكلم ونقول ان ده الدين
اللي حصل لايمت للدين بصلة
دي جريمة على مستوى الدين والوطن والإنسانية
فكرت أن معنى الإنسانية سقط بدافع خوف تم إطلاق كلابه علينا في ليلة الثامن والعشرين من يناير، خوف جعل قبول الإستبداد والقتل والسحل أمرا هينا في سبيل وعود بالأمن في المستقبل.
لا أجد أن ذلك غير منطقي، الإنسان في الغالب كما يقول نعوم تشومسكي يميل إلى تصديق أن الغد سيكون أفضل، لكن في دولة كمصر عانت من نظام بوليسي قهر المواطن العادي على مدى عشر سنوات يقوى على مقاومة هؤلاء البلطجية ذاتهم (الرسميين وغير الرسميين) من قبل، المواطن العادي الذي يخشى اليوم من جموع تتحرك حاملة صوتها سلاح، أكثر مما يخشى من مدرعات تدهس البشر وسلاح يسحل ويعري البنات، ماهو المنطق الذي بناه هؤلاء في عقولهم فجعلهم يصدقون وعود الأمان للدرجة التي تنكر الواقع؟
متى تم استلال الإنسانية من مفاهيم هؤلاء فبات الحديث عن الكرامة والحرية والعدالة، من ضروب الخيال لا تصلح كإجابات لإسئلة يصدرونها في مواجهة صور الدم: "إيه اللي وداهم هناك؟"، مفاهيم حتى من يلبسون أنفسهم رداءها بدأوا يطالبون بإسقاطها تحت المسمى الأكثر سطوة هذه الأيام وهو الإستقرار والأمن.. وكأن لسان حالهم يقول: ملعونة الحرية اللي جاية في ديل الخوف.
الغريب أنهم يتكأون على الدين في ما يروجون له من منطق ولا أدري كيف صار الدين –فجأة- مناهضا للإنسانية، كيف أصبح دم المرء مستباحا وتساق الآيات التي تدلل على استباحته، كيف أصبح عرض المرأة منتهكا، دون أن نلتفت إلى الآيات التي تحرم الخوض في أعراض النساء؟
أصبحت الإهانة إهانتين الآن إهانة الإنسان وإهانة الدين والإفتراء عليه.. سيظهر لي من يقول أني لا أعرف من الدين ما يعرفون وأن ما يقولونه مكتوب في الكتب التي قضوا أعمارهم يقرأونها ويتفحصون سطورها.. أقول لهؤلاء في حالة دفاعية استباقية عن نفسي.. أعرف ربي الذي كرم الإنسان ورفع قدره والذي صان المرأة وأجلها وحرم المساس بها ولو بكلمة.. أعرف إيماني العميق الذي يقضي بأن الله لا يرضيه منظر الدماء في الشارع ولا يرضى عمن يرضيهم ذلك.

Saturday, December 17, 2011

أفكار في نهار الـ 17 من ديسمبر

لم تعد المسألة ثوري أو غير ثوري، لم تعد مسألة مع او ضد ولم أراها في يوم من الأيام انها حرب بين فريقين مصدقين ومكذبين، لكنها تحولت إلى اختبار حقيقي للإنسانية وللإيمان بالله وبصدق رسالاته السماوية . كنت استغرب كيف لم تقم سوريا على قلب رجل واحد يتوجهون برجالاهم ونسائهم وأطفالهم إلى حيث يجلس ذلك السفاح ويقيموا عليه الحكم، اليوم ماعدت استغرب!
فالمشهد قريب الشبه جدا بمشاهد سوريا، وتجد تعليقات من قبيل "وايه الي وداهم هناك"، و"كان ايه لازمته الاعتصام"، و"دول مش ثوار ولا شكلهم شكل ثوار"، فأدركت أن العقل لديه حيله لكي يجعل الإنسان يمنطق المشهد الذي يراه بطريقة تجعل ضميره مرتاحا، غير متحملا لمسئولية الدم السائل.

عقب احداث ماسبيرو دخلت في مناقشة طويلة مع ابن عمي الذي كان يرى وقتها ان من ذهب إلى ماسبيرو يستحق ما لاقاه، انهرت و أعربت عن خوفي قلت له بصوت مختنق بالدموع "أخشى إذا ما مت في الشارع أن تتركوا حقي مكتفين بالتساؤل الرافع للمسئولية وهي ايه اللي كان وداها هناك بس!" ذهل من الفكرة ولكنه عالجها سريعا وانتي ايه اللي هيوديكي هناك فعلا طمأن نفسه بأن الفكرة مستبعدة، وأنا صمت والفكرة تدور في عقلي، عن الدماء التي تهون!

وكأن العشرة شهور الماضية كانت كل مهمتها تثبيت نظرية الطرف التالت في الأذهان لتصبح مخرجا للجميع بداية من الجالسين في بيوتهم امام شاشات التوك شو التي تبدو أنها مع الثورة لكنها ذراع الثورة المضادة الطويل، نهاية بالإخوان الذين اكتفوا بتوصيف كل ما دون الانتخابات بأنه فتنة.

أشعر بالقهر، ليس لأجل الثورة ولكن من أجل الإنسان الذي هان وهانت دماؤه، الإنسان الذي صورته وسيرته تؤكد أنه إن لم يكن أفضل من أفضل واحد فينا فهو بالتأكيد ليس أدني من أقل واحد فينا.. عندما يموت شيخ الأزهر والطبيب والمهندس ونتصيد صور التلفزيون المصري لنقول بكل راحة ضمير "دول هما الثوار بقى" نكون قد فقدنا إنسانيتنا من أجل حياة أقل تكلفة وأكثر ربحا!


Monday, December 12, 2011


من يومها شو عاد صار.. ما صار شي كتير

غريبة هذه السنة التي تكاد تفارقنا، ولا أرغب في فراقها.. على عكس كل من يتحدث عن كارثية العام أراه عاما يستحق أن يُعاش، ممتنة للحياة أني كنت موجودة لأشهد هذا العام بكل تحولاته، ثم أنه على المستوى الشخصي لم يحدث خلاله شيء يذكر،، مجرد أيام، ربما أكتشفت بدون سابق إنذار أني أحب "الوطن" أكثر مما كنت أتخيل، وأهتم لأمره إلى حد يجعلني أهلوس ليلا بما يحياه هو نهارا!