Saturday, March 5, 2011

طريق السلامة

ظبطت نفسي متلبسة بالتشفي في وجه ظابط الأمن المقبوض عليه -لأول مرة في التاريخ من قبل مواطنين- والملطخ بالدماء، لا لأني لم أخبر التشفي من قبل ولكن لقبولي المرحب بمشاهد الدماء مادامت على أجساد الزبانية.

مشاهد الدماء تصيبني بحالة غثيان، كما أني أقاوم النظر لمشاهد العنف المبالغ فيه بسبب قدرتي العالية على تقمص دور الضحية، لكن ذلك لم يعد له أثر في مشاهد (الحرب) ضد الشرطة وأمن الدولة تحديدا. إذ أجد نفسي متحمسة لرؤية الفيديوهات وأقسم للجميع أني لو كنت في أحد هذه المواقف لن أتوانى عن المشاركة في الضرب (مع العلم أني لم أضرب أحدا من قبل).

أدرك بوعي تحاول عاطفتي تنحيته جانبا، أني أمر بحالة نفسية غير مستقرة، يقول لي ذلك الوعي متلبسا حكمة الشيوخ: "العدالة هي المطلب وليس الانتقام" فأشيح له بيدي أو أرفع صوتي لأسمع من هم حولي أيضا "اللي عملوه مش قليل ومش حرام اللي بيحصل فيهم". أصدق ذلك تماما بقدر تصديقي بأن الأمور لن تستوي لو أسسنا لهذه المرحلة على مباديء البلطجة ولم نقو على تفعيل القانون.

في ليلة من إحدى ليالي اللجان الشعبية (البلطجية) والتي كنت أمر فيها من شارع خاتم المرسلين ليلا في رحلة العودة سيرا على الأقدام من ميدان التحرير، فوجئت بكمية السلاح المشهرة في وجهي، كاد أحدهم أن يصيبني بساطور يطوحه بتهاون دون أن يراني أمر بجانبه، في لحظة بدأت حركة غير منتظمة في الصفوف، مع صوت لشاب يركض "المظاهرة جاية, المظاهرة جاية" أشهر الجميع أسلحتهم وتكفل حامل سنجة بالسير معنا كي يؤمننا من المستنفرين على طول الشارع، سألت بذهول: "هي المظاهرة هتعمل ايه، وليه الخوف منها" أجابني وهو يشير بيده لكل من يراه في نوع من تطمينه ودليل على أننا "العزل" مسالمين ولا نريد شرا "المتظاهرين جواهم بلطجية هيهجموا ع الناس" لم أفهم النظرية سألت زوجي "يعني هما هيقتلوا كل اللي في المظاهرة عشان يطلعوا منهم اللي في ايده سلاح"، لحظتها شعرت بخوف شديد أفرز دموع عيني، أدركت أن الأمر تحول فعلا لغابة السيد فيها من يحمل سلاحا اعتى ولبس الطيب لباس الشرير فلم يعد هناك من حدود فاصلة بينهما ولا سبيل للتمييز بينهما.

استكمالا للمشهد حتى يصل المعنى كاملا: المظاهرة كما سمعنا قبل دخولنا شارعنا الصغير والذي طلب منا الواقف عليه أن نخبره في أي بناية نسكن، كي يتأكد أني وزوجي لسنا عصابة "حمادة وتوتو" هي مظاهرة تأييد للرئيس وكانت تقريبا قبل ليلة خطابه الثاني لا أذكر تحديدا، والمؤكد لي أنها لم تمر من الشارع المستنفر، فيما أرجح أنها كانت مجرد إشاعة لإثارة الذعر في الحي.

عودة للبلطجة الشرعية، في هذه الليلة كان السؤال الذي يؤرقني، كيف يمكن التعرف على البلطجي الحقيقي مادام الطبيب والمهندس وتلميذ المدرسة الإبتدائية اللغات جميعهم يحملون أسلحة حادة؟ وفي حال تعرفنا عليه، كيف يمكن بعد هذه الليالي التي مارس فيها هؤلاء البلطجة وشعروا فيها بمدى فاعلية امتلاك سلاح يرهب ويخوف أن يعودوا إلى مظلة القانون الذي لم يخبروا إنصافه من قبل بسبب عدم قدرته على الحماية إلا من خلال واسطة؟

في هذه الليالي اكتشفت أن كمية من السلاح الأبيض تفوقها كمية أسلحة نارية (صوت وحي ورشاشات) لم أكن أتخيلها في حياتي، المثير للدهشة أنه يحدث خلال اسبوع الاستنفار الأمني الشعبي أن مر بلطجي من حمى الشارع سوى بعض من اشتبهوا في أنهم عائدون من معركة الجمل في إحدى سيارات مؤسسة الأهرام وتم القبض عليهم وتسليمهم للجيش)

السلاح الذي عرف طريقه للشارع بطريقة شرعية وبطلب مباشر من الدولة التي ناشدت المواطنين تشكيل لجان شعبية وأثارت الذعر في المواطنين من خلال وسائل الإعلام الرسمية، سيجد صعوبة في العودة إلى مخابئه مرة أخرى، إذ سيبدو مقبولا ( وهو ما يحدث الآن) سماع طلقات أعيرة نارية في الليل، ولن نفزع ونهرع إلى مكان الحادث سيراودنا خاطر أن بلطجيا هجم على مواطن فتبلطج ليؤمن نفسه. وحينها لن يكون هناك من يهتم لمعرفة الجاني من الضحية.

وما يزيد الطين بلة، أن كثيرا ممن تم القبض عليهم في الليالي الأولى لظهور اللجان الشعبية المسلحة كانوا من أفراد الشرطة السرية أو أمناء الشرطة، ليفتح قوس كبير يزداد اتساع يوما بعد يوم يجعل الشرطة (الجهاز الأمني المعتمد) تدخل في نطاق البلطجة مع الإحساس الشعبي بالخيانة من قبلها لتصبح الكلمة في الشارع لصاحب السلاح الأفتك بغض النظر عن صفته سواء كان من أفراد الشرطة أو بلطجي أو مجرد مواطن عادي اعتاد حمل سلاحه كي لا يفاجأه الموت وهو في طريق عودته لمنزله في العاشرة مساء

لا يتعلق الأمر بأمان الشارع اليوم، ولكن يتعلق بمفهومنا عن الأمان، عن نفسي لا أريد أمانا زائفا كذاك الذي انهار أو انسحب في الثامن والعشرين من يناير، المحكوم بفوهات جهنم في كل حي، ولا أريد أمانا تصنعه صفوف من الأسلحة البيضاء على جانبي الشارع،
ما اتمناه وهذا حقي كمواطن، هو الأمان الذي يجعلني على ثقة أني لو تعرضت لمكروه سيهب جميع من حولي لمساعدتي وسأصل إلى أقرب قسم شرطة لتقديم بلاغ رسمي يصل بي إلى محاكمة عادلة أستعيد من خلالها حقي.

هذا المفهوم في رأيي لن يتحقق في ظل جهاز لم يعترف بأخطائه، وشعب تعلم أن البقاء للأكثر بطشا وأن من عاش في ظل الخوف من الميري لن يعترض على الخوف من البلطجي، والحل يبدأ من الأعلى.

فحينها لن أرضى عن دماء تسيل من وجه ظابط بعد أن أرى زميله يحاكم داخل محكمة، سأتيقن أن هناك طريقا يظلله القانون يسري على جميع فئات البلطجية، وسأعرف أن أمانا أتمناه هناك في نهاية الطريق.



No comments: