Saturday, September 12, 2009

تواصل



مدفوعة بهاجس أن صار الزحام لا أحد, أحاول أن أضع يدي على "الحقيقي" في مقابل "التخيلي", رغم صعوبة المهمة في ظل اللبس الحاصل بين العالمين بفضل تغلغل المعطيات الفضاء التخيلي في يومياتنا, أكاد أصل لصيغة ترضيني.

منذ فترة أشعر بأن شيئا ما ليس على ما يرام بخصوص الوجود الفعلي للبشر من حولي, هناك حالة من الكثافة في التواصل مع الجميع عبر أدوات الاتصال الكتابية –دعونا ننزع عنها صفة الإلكترونية والتخيلية- إذ تبدو العلاقات للوهلة الأولى على الساحة المتسعة والمستمرة في الاتساع وكأنها حائط يغلف يومياتك تستند إلى ظله ويمنع عنك رياح الوحدة.

لكن بعد فترة من التعايش بهذه الطريقة تتضح الصورة, إذ تثمر كثافة الاتصال عبر (الفيس بوك/ المدونات/ الماسنجر) إلى حالة من الزخم الاتصالي الذي يساوي بطريقة خطية أنه لا يوجد إتصال (يقول مافيزولي أن انتشار التواصل يعتبر عرضا لغياب التواصل!) وهو الرأي الذي أصبح حقيقة بالنسبة لي.

يتحول الجميع (الحقيقي منهم والمتخيل) إلى مجرد أسماء على الشاشة, تحمل ردود فعل محصورة في الوجوه الصفراء (smiles) وتعبيرات تحمل كما لا بأس به من التضخيم الذي يتناسب مع فخامة الكتابة, إذ أعتقد أن للكتابة فخامة تجعل كتابة صباح الخير مجردة أمرا غير محبب للنفس فتبدو الجملة الأكثر تعقيدا لإلقاء تحية الصباح أكثر بهاء!

فيما يبدأ الاختفاء التدريجي للمكالمات الهاتفية, واللقاءات الواقعية, ليتحول السؤال من "ما شوفتكيش من مدة" إلى "ما ظهرتيش أونلاين من مدة".

أصبح الوجود في الفضاء التخيلي كافيا بطريقة ما, تبدو بالنسبة لي تضليلية, للاتصال الانساني بيني وبين من حولي!

أفكر أحيانا أن العلاقات الكتابية تحمل عنا وطأة التعبير الصريح عن أنفسنا, إذ من السهل أن تضع وجها مبتسما بفرحة غير مسببة أثناء حديثك مع شخص ما, رغم الدموع التي تحجب عنك رؤية الشاشة!!

تبدو العلاقة بهذه الطريقة أكثر أمانا, أنا هنا في إطاري الذي أتحرك فيه,, استطيع الاختفاء, ويمكنني اختيار الأشخاص الذين أتواصل معهم, المجاملة في العلاقات لا تذكر يكفي أن تضغط ثلاث مرات على الفأرة لترسل باقة ورد إلى من تشاء على الفيس بوك, (قبيل رمضان استقبلت ولأول مرة في حياتي أكثر من 20 فانوسا,, للأسف كانوا مجرد صور ولم تستطع إدخال البهجة في نفسي).

ليس الأمر اعتزال لمعطيات الشبكة السخية في عطاءها لنا, إذ يبدو ما تطرحه أمامنا كخيارات لتجميع وتشبيك البشر, مذهلا لأقصى حد (وإلا لما كنت أدمنت التواصل عبره فترة طويلة نسبيا) لكن ما جعلني أقف لأعيد حساباتي أن يحول التواصل المتخيل عن إقامة علاقة حقيقية.

أن يتوقف تلفوني عن إصدار أصوات, ولا يطرق باب منزلي أحد, ولا يسمح الوقت بأن ألتقي أحد.

على وعي تام أن تلك الحالة لا تبدو حقيقية أو يمكن تعميمها, هنا لا أهدف للتعميم,, أعرف أن معطيات حياتي أخرجت تلك الحالة على هذه الصورة.

وعلى هذا فهذه ليست دعوة مضادة لمواقع التشبيك الاجتماعي أو لوسائل الاتصال الشبكية, هي فقط محاولة لوضع إطار لأفكار تشاغلني منذ فترة, ربما تكون بداية لخطوات عملية نحو أعادة التوازن لحياتي لتصبح أكثر واقعية!

4 comments:

Sarah said...

لم نجد من التواصل (الالكترونى)البحت غير اوهام تتغاضى عن حقائقنا الملموسه كبشر
بل تحولت اوضاعنا وحتى مشاعرنا .... الى ضغطه زر وكليك
.. ..... ونسينا اننا بشر داخل شاشاتنا
الى ان يضيع حس التواصل

الموضوع جميل جدا وحسيته اوى

Camellia Hussein said...

can`t agree more ya hoda

نهر الحب said...

مش عارفة ازاي الصدفة خلتك انتي ومحمد العدوي تكتبوا عن نفس الفكرة مع ان الطريقة مختلفة

والأغرب ان تعليقي عند محمد العدوي هو نفس كلماتك هنا

وكأن كلنا حاسين باغتراب ووحدة رغم الشعور الغير حقيقي بوجود اكثر من مئة صديق علي الفيس بوك ورغم صباح الخير كل يوم

وده تعليقي عند محمدالعدوي
صحيح ديماً بحس بالجمود علي النت مع انه بيقوم بوظيفة انه بيجمع عدد كبير من الناس البعيد اللي صعب تشوفهم وتكلمهم
لكن للأسف المشاعر مفقودة وممكن يكون حد بيكلمك وبيبكي وبيرسم وش بيضحك وانت مش حاسس

لكن الرسايل بالبريد ليها جمالها ويمكن احنا محضرناش فترة انتعاش البريد والبريد الوحيد اللي انتظرناه هو بطاقة الترشيح للكلية

لكن قد ايه الانسان ممكن يتمني رسالة فيها عطر من يحب ولما يمسكها يحس بلمسته عليها ويقدر يقراها كل وقت وكل دقيقة قبل ما ينام واول مايصحي ومش لازم يروح علي الكمبيوتر او يفتح الموبيل عشان يدور علي حاجة تسعده

واكيد في الاخر يبقي لكل شيء جماله مع بعض العيوب
تحياتي

هدى said...

سارة

تسلمي يا جميلة

وعندك حق كتير

..

كاميليا

قولتلك لدينا نفس الافكار

..

سهاد

خليني اقولك اني تقريبا بقدر اشوف الحاجات الحلوة و الوحشة في الصورة قدامي ,, جايز مش في نفس اللحظة

بس المهم اني بعرف اشوف دا ,, ويمكن دا بيخليني ابدو متناقضة في نظر الناس
وانا بحس اني كدا بكون انسانة

ولاننا بشر , فالحاجت دي مش هيحصل انها تتلاشى تماما او يتم هجرها تماما بس طريقة تعاملنا معاها لازم تكون واعية

اننا نحفر انفاق في الفضاء التخيلي دا يخلينا على صلة حقيقية بالواقع,, الاتنين بيغذوا بعض وهيزيدوا من احساسنا باننا وسط البشر

"حبة حكمة ع الصبح"

صباحك توااااااصل

وكل سنة وإنتي طيبة