Wednesday, March 2, 2011

25 يناير


في عامي الجامعي الثاني وهذا كان منذ سنوات طويلة، وقفت ومجموعة من زملائي على سلم قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة في يوم الخريجين نحتج على مد فترة التدريب اللازمة للانضمام لنقابة الصحفيين إلى عامين، جهزنا اللوحات ووقفنا على السلم في انتظار زوار الاحتفال، لنفاجيء وقتها بدكتور سامي الشريف وكيل الكلية وقتها بمحاولاته العصبية لإجلائنا، مستنكرا الفكرة ومستعجبا منها قائلا: "انتوا فاكرين نفسكوا هتغيروا العالم بكلمتين على ورقة"، حينها صدمت ببراءة طالبة في كلية الإعلام، تمهد الطريق كي تصبح كاتبة تساهم في تغيير العالم بكلمة، ومع ذلك بدت كلماته لها صدى في العام التالي عندما نقلت إلينا تلفزيونات العالم الحرب الأمريكية على العراق على الهواء مباشرة وصرخنا في أرجاء الجامعة ولم يكن لكلماتنا من رد سوى المزيد المزيد من رجال الأمن والقنابل المسيلة للدموع.

رغم أني لم أشترك بعد الجامعة في مظاهرات سياسية ولم تكن لي ميول واضحة لممارسة أي نشاط سياسي، رغم انفتاح الجو بقدر معقول وبدايات انتشار العمل السياسي الافتراضي من خلال المدونات وغيرها، إلا أني كنت على خط التماس مع الحالة، وعلى أهبة الاستعداد للاندماج فيها.

ربما لهذا كنت في أول عشرين وقفوا محتجين في ساحة مقر عمل موقع اسلام اونلاين اعتراضا على السياسات التي كانت تمارسها الإدارة القطرية حينها، وتصدرت المشهد في اليوم العاصف وكنت آخر المنسحبين من أرض المعركة.

وعندما انتشرت دعوة 25 يناير، شعرت أن هذه المرة لن أتخاذل وسأكسر الحاجز، رغم تحذيرات صريحة من مقربين أن الأمر لن يكون بسيطا، خبراتي الاحتجاجية السابقة لم تكن في مواجهة صريحة مع القوى المضادة، ومع ذلك شيئا ما دفعني للثبات على موقفي، مدعوم بكراهية صريحة لجهاز الشرطة وأدواته المعاونة، وغضب حقيقي من وضع البلد .

يومها كنت منذ نزولي من المنزل وأنا اراقب بحذر كل تفاصيل الشارع بحثا عن الاختلاف، ولم الاحظه سوى عند كوبري الجلاء، حيث سيارات الأمن المركزي، ثم الهدوء المريب في نواحي الأوبرا، مع انتشار للمخبرين الذين يتفحصون وجوهنا بشك.

بدأنا في الاستماع لصوت خطواتنا مع عبرونا إلى كوبري قصر النيل الخالي إلا من القليلين الحاملين حذرهم، والسائرين بهدوء يناسب ثقل الجو المغلف للمشهد.

عبرنا إلى عبد المنعم رياض، كان الطريق إلى الميدان مغلق، فتحركنا وفق التعليمات في اتجاه دار القضاء العالي، لنقابل الجموع المتحركة عند سنترال رمسيس في شارع رمسيس، يمرون وسط السيارات كما الموج المندفع يهتفون بقوة "يسقط.. يسقط .. حسني مبارك" و يرددون وفق نغمة موزونة "تغيير، حرية، عدالة اجتماعية"، نتحرك بقوة وجسارة نحاوط كردونات الأمن التي لم تتعرض لنا بشراسة ، نكسرها الواحد تلو الآخر حتى وصلنا إلى ميدان التحرير الخالي إلى من صفوف عساكر الأمن المركزي المحيطة به .

رغم مناداة البعض بضرورة البقاء في الميدان لكن شكا ساورنا في انهم يحاصرونا، فتحركنا ناحية مجلس الشعب لنقف عنده، وصلنا كانت صلاة العصر قد أذن لها، فأقام الرجال الصلاة فيما كان يحرسهم البقية من بطش العساكر الذين رفعوا هراوتهم لضرب المصلين، ما إن انتهى الجمع من الصلاة، حتى ارتفعت السرينة التحذيرية للمدرعة التي كانت تقف في مواجهتنا واقترب العساكر من خلفنا، 3 دقائق وبدأ الضرب ، من العساكر بالهراوات والحجارة ومن المدرعات بالمياه، كنا ما يقرب من الألف، جرينا لنتفرق في الشوارع الجانبية لشارع القصر العيني، كانوا يطردونا حتى بالحجارة حتى نختفي من أمام أعينهم.

حاولنا الرجوع مرة أخرى للمجموعة التي كانت في الميدان بعد ان انضم اليها المظاهرة التي جاءت من جامعة الدول العربية، لكن الأمن المركزي كان قد احكم السيطرة على كل الشوارع المؤدية إلى الميدان.

قضينا بعض الوقت في نادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، ووصلتنا أخبار أن من في الميدان سيعتصمون، فقرر الرجال العودة إلى هناك بأي طريقة ممكنة فيما تحركت مع صديقتي عائدة إلى البيت أتابع من خلال الفيس بوك وقائع ما يجري في الميدان، ليلتها انتشرت الصورة المبهرة للجموع في الميدان المضاءة بالأمل في التغيير، والفيديو الذي يهتف فيه الجالسون على الأرض "الشعب يريد إسقاط النظام" ليعلن بشكل رسمي بداية الثورة المصرية.

ليلتها حاولوا التشويش على الاتصالات في محيط ميدان التحرير، فكنت اتصل بصعوبة شديدة لأطمئن على زوجي والأصدقاء، كنت أعرف أنهم لن يدعوا الليلة تمر، فكرت أنهم سيبدأوا في فض الاعتصام بعد الثانية صباحا لكنهم لم يكون لديهم القدرة على كل هذا الصبر فبدأوا بعد نصف ساعة من منتصف ليل الثلاثاء في فض الإعتصام بوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، ودهس المتظاهرين بالمردعات، ليتم تفريق حوالي 10 آلاف متظاهر خلال سبع دقائق وما يحكى عن الضرب والاعتقالات أثناء ذلك يكشف عن مدى شراستهم وذعرهم من استمرار الاحتجاجات.

زوجي وصديقه تمكنا في الإختباء فوق سطح إحدى عمارات وسط البلد، مع ما يزيد عن الأربعين شخصا، كاتمين أنفاسهم لمدة ساعة كي لا يشعر بهم الظباط الذين لم يفتهم الاطمئنان إلى أن احدا يفكر في الهرب من قبضتهم في ظلام السطوح وبرده.

كانت ليلة أولى طويلة، لكنها كانت ضرورية كي تزيد من الحماس وتشعل الثورة، وتمهد ليوم جمعة الغضب المجيد...

2 comments:

حلم بيعافر said...

الكلمة نوووووووووووور

كراكيب نـهـى مـحمود said...

تسلمي يا هدى ويسلم شباب مصر وتحيا مصر
والمجد للكلمات نور وقوة في وجه الظلم