Sunday, June 13, 2010

في محيط النور

أتذكر بابتسامة هدوءه الخادع, فابتسم لقدرته على حمل مختلف الوجوه في حقيبة يده, يبدلها وقتما يشاء, نافيا بطريقة عملية أن يكون تعدد الوجوه صفة غير مرغوب فيها.
على خلفية موسيقى الرحبانية المفعمة بالحنين كان لقاؤنا الأول, والذي ساهم شتاء يناير في إضفاء القليل من الشجن على أبعاده, لتتشكل عندي حالة مثلثة الأضلاع تدفعني للانتشاء مكونة من "قديش كان فيه ناس, غيم يناير, سعيد أبو معلا"!
يتكفل وجود أحد الأضلاع باستدعاء بقيتها, لتعيدني إلى ذات الحالة وكأني أتنقل بخفة بين برك مياه خلفها المطر, ذلك الذي تركنا (أنا والأرض) في حالة من الإجهاد المنعش.
منذ رحيل سعيد, لا ليست مناسبة إطلاقا كلمة رحيل, منذ عودة سعيد إلى بلاده وأنا أفكر في طريقة لاكتبه بها, أخلده على جدار تاريخي الشخصي, أحدد بخط مضيء حول بصماته التي تركها على حياتي, لكني في كل مرة لم أكن اجد مدخلا مناسبا للكتابة عنه.
بالأمس خطر لي أن المارين في حياتنا يبدون كما الفوهات المفتوحة على ما لا تعرفه, إما أن تخرج نورا يضيء لك جوانب روحك, فتتمكن وأنت في نطاقه من استخراج أفضل مالديك, وإما أن يكون فوهة مظلمة تفتح بداخلك بؤر الظلام وتفك أسر وحوشك, ويحل عن عيوبك وثاقها, لتصبح على أسوأ هيئة عرفتها!
نور سعيد قادر على إضاءة دائرة مكتملة حوله, ليساعد جميع المحيطين به على أن يروا أنفسهم بسهولة, ويتعاملوا مع نقاط النور في أنفسهم بسهولة ويسر, كل ماعليك وأنت في مداره أن تنزر لنفسك جيدا وتبدأ في اتباع التعليمات!
الأجمل أنه لا يفعل ذلك عن قصدية ولا عمدية, هو يفعله بالفطرة, بالطبيعة, وجوده في المكان قادر على تحريك جميع الأشياء / الأفكار/ الأشخاص من حوله, وكأنها تتراقص على مقطوعة موسيقية هو مؤلفها ترن في إذنه هو وحده.
رغم انتقاداته اللاذعة دائما, واعتراضاته المختلفة على كل ما حوله, إلا أنه وبطريقة على الأقل مثيرة للدهشة لي أنا تحديدا, قادر على كسب ود الجميع حتى من يقف معهم على طرفي النقيض!
..
بعد ذهابه, تجنبت النظر إلى المكتب بجانبي لعدة أيام, كي لا يغلبني الحنين/الدمع, لكن بعدها توقفت طويلا أحاول العبث فيما تركه حلفه من كتب وأوراق, لتلتقط يدي صورة بالأبيض والأسود مع شجر الزيتون,, علقتها بجانب تشكيلاته الفنية التي تتوسطها جملة درويش "ياله من نهار", وابتسمت.
بعدها بأسابيع لم أتمكن من الاستمرار في المكان كله, ربما هربا من هاجس دخوله بطريقته المعروفة التي يحول فيها غرفة الأخبار إلى خشبة مسرح,, يندفع بقوة إلى ما بعد الباب بقليل, يتوقف, يدور بعينيه في الغرفة ويسأل بجدية "وين الجيش؟".
ربما لا تسمح الأيام بالعمل مرة أخرى مع سعيد, وذلك رغم أنه ليس جميلا إلا أنه ليس حزينا, فسعيد علمني كيف أفكر/ أكتب/ أعيش الحياة بطريقة مختلفة,, مثل هذه الدروس يصعب نسيانها ويصعب تجاوز معلميها, يظل هؤلاء بداخلنا يطرقون أبواب الأمل والتغيير للوصول إلى المختلف والجديد والمدهش كلما زادت جرعة اليأس والعادي والمكرر.
قد لا تكون سمعتها ياصديقي من قبل, لكن من حقك أن أقول: شكرا لك على كل ما فعلته معي/ من أجلي, على مرورك في حياتي, على بقاءنا أصدقاء, بأمثالك تصفو الحياة.

5 comments:

Ramy said...

شتى الياسمين

ممكن تكونى متعرفنيش ودة أكيد بس انا متابع جيد للمدونة

كل تدويناتك بتأثرفيا بطريقة او بأخرى بجد

يعنى مثلا التدوينة دى انتى يمكن فسرتى الحالة اللى انا بمر بيها دلوقت بجد دة جميل جدا ان احنا نكون معترفين بتأثير شخص ما عللى حياتنا بالأيجاب حتى لو هو مش حاسس بدة بس أحنا حاسين وعارفين و مقدرين دة

دة يدل على نبل اخلاقك ودة يدل برضة على ان الواحد ممكن يعلم اللى حوالية بطريقة غير مباشرة اشياء ايجابية فى الحياة ان فى ناس هتقدر دة
عارفة صدقينى بكون ببكى من جوايا لما بقول دة للعمل دة معايا وهو مش مصدقنى
مش مصدق ان ممكن يكون ساب تأثير ايجابى فى حياتى ممكن مع اختلاف الطريقة بينى ةبينك بس الهدف واحد انة ساب شيىء ايجابى فى حايتنا

شكرا على البوست دة شكرا ان انتى اثبتى ليا حاجة كنت فاكر الناس بتشفها انها غير طبيعية

شكرا

Shrouk said...

"أن المارين في حياتنا يبدون كما الفوهات المفتوحة على ما لا تعرفه, إما أن تخرج نورا يضيء لك جوانب روحك, فتتمكن وأنت في نطاقه من استخراج أفضل مالديك, وإما أن يكون فوهة مظلمة تفتح بداخلك بؤر الظلام وتفك أسر وحوشك, ويحل عن عيوبك وثاقها, لتصبح على أسوأ هيئة عرفتها"


صدقتي..

مروة said...

قليلون من يعترفون بأهمية وجود الأخرين في حياتهم، وأقل من يُسجلون امتنانهم لهذا الوجود.
صديقتي العزيزة اسمحي لي أن أهمس لك بنفس عبارتك الأخيرة، فأنتِ أيضًا تستحقينها

وسام كمال said...

يا بخت سعيد

هدى said...

سامي

احيانا فيه حاجات محتاجين نقولها عشان نتأكد انها موجودة

شاكرة متابعتك جدا

...

شروق

أي خدمة

تعالي كل يوم

..

مروة

تسلمي بجد ,, كلماتك طول الوقت بتفرق

..

وسام خانم على رأي سعيد

نبطل قر يا فندم

أنت جوا القلب ساكن

وحشاني موت