Sunday, January 3, 2010

قمر على سمرقند



هناك نوع من الرويات تخطف روحك إلى عالمها, فتصبح أحد شخصياتها, تتحرك بينهم دون أن تثير كثير من الجلبة, حريصا على ألا تحدث تأثيرا غير مرئي على الأحداث, حتى تنتهي منها تشعر بتعب السفر, تتملكك تلك الحالة التي ترغب فيها في المشي مسافات طويلة دون أن تتحدث لأحد, تظل تفكر فيما حدث وكيف حدث, وترغب في أن تتملكك جرأة أن تغير بعض التفاصيل لتناسب رغباتك, أو قد تهز رأسك بأسى وتتابع سيرك في صمت..

بالأمس انتهيت من رواية المنسي قنديل "قمر على سمرقند" عرفت من صفحاتها الأولى أنها من هذه النوعية من الروايات التي تكسر حاجز الإيهام وتغرقني معها في عالمها, وكان عالم ما بين النهرين والذي تجولت عبر عصوره منذ تيمورلنك وحتى الاستقلال عن الإتحاد السوفيتي.

السرد في الرواية بسيط واللغة جميلة وخفيفة, والوصف دقيق ولا يدفع إلى الملل, تتنقل بين السطور وكأنك تشاهد فيلما تسجيليا مع تعليق صوتي مناسب لنقل الإحساس أكثر من الشكل, لتدور الأحداث التي تبدو مسلسلة كما الرحلة التي تبدأ من طشقند وتسير نحو بخارى وتنتهي في سمرقند,, مع شخصيات ثرية بجوانبها الإنسانية التي تبدو قريبة جدا رغم بعد المسافات, إذ يبدو أن الحالة الأوزبكية هي نسخة أخرى من الحالة التي مرت بها جميع الدول الإسلامية, فيما يقدم المنسي رؤيته دون كثير من المواربة ودون كثير من التقريرية, تأتي المعلومات التاريخية التوثيقية جزء لا ينفصل عن السرد الحكائي فتتحول لحالة تشويقية.

تبدو شخصية نور الله شديدة الغموض مع بداية الرواية وتبدأ تفاصيلها في التجلي حتى تنكشف تماما, رغم تناقضها إلا أنها شديدة الإنسانية لها بعدها التاريخي والمكاني وتتصرف بطريقة مبررة بالنظر إليها كإنسان قد يكون في لحظة ما هو أنا..

فيما تظهر الشخصيات النسائية شديدة الإختلاف والثراء, سواء الغجرية التي قابلها الراوي في البداية أو الفتاة الأوزبكية "طيف" التي ظهرت في النهاية لتترك عبيرها في الجزء الأخير من الرواية.

تكفل الكاتب بتعميق الشخصيات النسائية بإضفاء بعد تاريخي من خلال ربط كلا من الشخصيتين باخرى تشبه له تقابلها في بعد زمني آخر, مثل أسطورة الغجرية أو أسطورة بيبي خاتون زوجة تيمور لنك, بقدرة عالية على تضفير الماضي بالحاضر وتشبيك الملامح لتبدو مثلا طيف وكأنها بيبي خاتون العصر!

عرفت أن النسخة التي قرأتها مجتزأ منها الكثير بسبب رقابة دار الهلال الحكومية, أتوقع أن جزء كبير من ملامح الفتاتين المصريتين اللتين تكفلتا بتغيير ملامح حياة الراوي جار عليهما مقص الرقيب, وأظن أنهما تستحقان البحث عن تفاصيلها. (نسخة ميريت كاملة)

لا يمكن المرور على الرواية دون الوقوف طويلا عند لطف الله ذلك الذي ظهر ابيضا بالقدر الذي نبدو أمامه جميعا ملطخين بالطين, الرجل الذي عرف الحق ولزمه,, ليذكرنا بمدى تقصيرنا.
الرواية في مجملها حالة متكاملة من بناء سردي محكم, ولغة وصفية متميزة, وجولة سياحية مع تعليق اجتماعي تاريخي فني على الحياة في بلاد ما بين النهرين, عندما طالعت صور سمرقند شعرت كأني رأيتها من قبل بين سطور المنسي قنديل, الرواية أمدتني بمتعة حقيقية.

2 comments:

إبـراهيم ... said...

أظن أن أول ما يقال عن "قمر على سمرقند" هو أنها تحمل الإنسان إلى عالمها ، أتذكر الآتن أني كنت قد قرأت له انكسار الروح، ولم تعجبني، وشعرت بظلال سخيفة لأفلام عربية قديمة، ولكن هذه رااائعـــة حقيقية من روائعه
.
.
الجميل أني أتذكر مشاهد عديدة
وأود أن أعود لأقرأها، وكأنها حدثت أمامي:
مشهد دخولهم على نور الله في المدينة المحصنة ...
مشهد البنت التي ماتت وكان يود أن يتزوجها وذهب إلى أهلها تقريبًا
.....
أعتقد أن مشاهدصا كثيرة افتقدتها، لإني ابتعدت عنها زمنًا


ولكنها تظل رواية فارقة
مممممممممممممممممممممم
بإمكاني أن أتذكر ببساطة أن أيمن الجندي كتب عنها مقالاً رااائعًا

من عاداتي أن أبحث في كل رواية عما كتبه الناس عنها بالمناسبة

تحياتي لنشاطك القراءي والكتابي معًا

هدى said...

نعم

صدقت , هي تأخذك إلى عالمها المؤثث بحرفية عالية ,,, والمنسوج بخيط من القص المحترف

...

مقتنعة أنها رواية فارقة,, شكلت ايامي التي صحبتها فيها بطريقة أحمل لأجلها الكثير من الامتنان

...

تحياتي لمرورك وتعليقك

ونسختك ,,,